من منّا لا يحبّ الطعام؟ فهو حاجة أساسية لحياة كلّ إنسان، لكن لا تكمن أهميّته بالحفاظ على الصحّة السليمة لأجسادنا فقط، بل إنّ هذه الحاجة الفزيولوجية، تُقابلها حاجة نفسيّة.
فهل هدف الأكل فقط لكي نبقى على قيد الحياة؟ أو إنّ له معانٍ أخرى لا واعية تكمن فينا؟ ما هو المفهوم النفسي للطعام في حياة الإنسان؟ وهل لذّة الطعام أساسيّة في حياتنا اليومية؟
منذ الدقائق الأولى… حتى عمر الرشد!
بعد الولادة، يُبدي الطفل الرضيع حاجته إلى الطعام. فيطلب الرضاعة بشكل أوتوماتيكي. هذه المرحلة ذات الأهميّة كبيرة تُسمّى “المرحلة الفميّة”. تبدأ هذه المرحلة عند الولادة مباشرةً، وتمتد حتى الشهر الثاني عشر تقريباً من حياة الطفل، خلالها يرتكز كل إهتمام الطفل على الطعام وتبدأ علاقة الطفل والأم تتبلور نفسياً وجسميّاً.
لذلك يعتبر علماء النفس أنّ الرضاعة من الثدي نشاطاً أساسياً لتكوين شخصيّة الطفل، مع الإشارة إلى أنّ ظهور الإضطرابات النفسيّة والغذائيّة لدى الأطفال يعود إلى المرحلة الفميّة.
فقصر أو طول فترة الرضاعة، لها تفسيراتها النفسيّة: الفطام السريع، حيث لا نجد سبب طبّي أساسي لتوقيفه، بل فطمت الأم طفلها لأنها لا تريد أن تقوم بعملية الرضاعة له، يظهر عند الأمهات اللواتي يتمتّعن بشخصيّة نرجيسيّة أعلى من اللواتي أرضعنّ وقتاً أطولاً.
أما بالنسبة للأمهات اللواتي لا يردنّ توقيف الرضاعة لأطفالهنّ، يدلّ هذا التأخير على حرصهن الشديد على أطفالهنّ وحمايتهنّ لهم.
بعد الطفولة، يتحوّل الطعام إلى حاجة حياتية للإنسان. فينتج له الطاقة للتدفئة وللحركة، يساعده أيضاً على الوقاية والعلاج من الأمراض، تطوير واستبدال وإصلاح الخلايا والأنسجة.
كما يلعب الطعام أهميّة حيويّة لإدارة وظائف الجسم الهرمونية والكيميائية ولتقوية جهاز المناعة في الجسم ضدّ العديد من الفيروسات والامراض.
ما أهمية تناول الطعام مع الأسرة؟
تناول الطعام مع الاسرة مؤشّر ودليل على قوّة العلاقة او ضعفها بين الافراد، ومدى قوّة التواصل بينهم. وواحد من الأسئلة التي تُطْرَحْ على العائلة عندما تزور معالج نفسي: “هل يتناول كل أعضاء العائلة الطعام معاً؟”.
من هنا فأهميّة تناول الطعام ضمن الاسرة يمكن أن نختصرها بالنقاط التالية:
– إلتقاء بين جميع أفراد العائلة ومشاركة الأفكار والمشاعر ضمن مختلف أفرادها.
– مشاركة الطعام مع أفراد العائلة تحقق نوع من الإستقرار النفسي والعاطفي لجميع الأفراد.
– تقوية العلاقات ما بين كل أفراد العائلة من خلال مناقشة قرارات مهمّة بين الوالدين والأولاد.
– تعزيز الإحساس بالإنتماء وهذا الشعور يدفع الطفل للشعور بالأمن وبالثقة بالنفس. ويمكن تعزيز هذا الشعور عند الطلب من الطفل مساعدة الوالدين في تجهيز سفرة الطعام قبل وبعد تناول الوجبات.
– تعليم بعض مزايا وسلوكيات المجتمع للأولاد: آداب المائدة، إحترام الصمت خلال الأكل، المضغ بشكل سليم…)
– مشاركة الطعام مع العائلة تعزّز مفاهيم إجتماعية لدى الأولاد: كمحبّة الآخر، إحترام وتقديم المساعدة للمحتاجين ومشاركة الإخوة والأخوات في الطعام…
– خلال مشاركة الأهل مع أطفالهم الغداء، يتعرّف الوالدان على نفور أطفالهم الغذائية وتعديل هذا التصرّف بعادات صحيّة مقبولة.
تناول الطعام ضمن العالم… مرّة يومياً
منذ الصغر، على الأهل أن يحرصوا على تناول الطعام سوياً، وعدم البدء بالوجبة قبل إكتمال كل أعضاء العائلة. من المهمّ مشاركة كل أعضاء العائلة لإختيار أنواع الأطباق التي ستحضّرها الأم خلال الاسبوع. لذلك يجب أن يكون وقت الطعام، وقت للإستمتاع بلذة الأطباق والإبتعاد عن المشاجرات والصراخ والتأنيب خلال الوجبة.
ويمكن للأهل وضع الموسيقى الهادئة خلال الغداء، أو إدخال جواً من المرح أثناء تناول الطعام من خلال طرح الاسئلة والنكت… ويمكن تخصيص مرّة أو اثنين في الشهر، للغذاء خارج البيت (مطعم أو حديقة عامة أو غابة…).
وأخيراً، من أهم النقاط في هذا المقال، هو الإبتعادعن التكنولوجيا. لذلك على جميع أفراد العائلة مهما كانت إنشغالاتهم ووظائفهم ومسؤولاتهم الإبتعاد عن أجهزة الهواتف الخليوية وألعابها والجرائد على مختلف كل أنواعها وأشكالها خلال تناول الطعام مع العائلة والتفرّغ لشيء واحد وهو الحوار مع الابناء.