المجلس العالمي للتسامح والسلام

حلم طفل نازح عشية العيد: “بدّي إرجع عمدرستي”

بقلم كريستال ش. محفوظ

في ليلة مُظلمة، وأنا أتجوّل بين الشوارع الممتلئة بالزينة وموسيقى الأعياد، صادفته…

إتجّه صوبي حاملا ً بيديه الصغيرتين، وروداً حمراء جرّحت أنامله البريئة. إتّجه صوبي ورجلاه لم تعد تسعفاه جيداً من كثرة الإرهاق. إتّجه صوبي وكلّمني بصوتٍ بحّته خانقة:” بترجّاكي إشتري الورود منّي، بدي فلّ على البيت”. إتّجه صوبي ورجاني بعيونٍ ينتابها حزن شديد لا يوصف، فما كان أمامي إلا أن أسأله: “ما اسمك؟”

“فِراس”، إبن العاشرة من العمر، لاجئ، سوري الجنسيّة، جلّ ما يملكه ورود مُمزّقة غير طبيعية، فالطبيعي “ما بربّح” حسب قوله، خارت قواه الجسديّة في تلك الليلة التي من المفترض أن يحتفل فيها مع أصدقائه بالعيد، تحدّثنا لوقت طويل، فأطلعني على بعض مُغامراته الشيّقة بالنسبة له، والمُبكية بالنسبة لي.

فما المشوِّق بأن يتتلمذ طفل على عمليات الهروب من القنص والقصف والحرب المُميتة؟ ما المشوِّق بأن يسير طفل على جثث وأشلاء كي يعبر مناطق الخطر؟ وما المشوِّق بأنّ يقول لي لا ندري متى نُقتل أو نُعدم؟ إنها قصص مبكية وليست مشوِّقة، لكنّ البراءة في داخله لعبت دور البطولة.

أخبرني فِراس عن بلاده، التي أمست فريسةً لا تُشبع جوع التطرُّف، الإرهاب والخوف. أخبرني عن تعبه الكبير من اتقان لعبة الشوارع للهرب بدل الإستمتاع بأجوئها المفرحة، فقد أصبح برأيه “كلّ شيء بلا معنى ولا هدف ولا أساس فعّال”. أخبرني أيضاً بدموعٍ موجعة وحسرة تُمزّق القلب والروح، عن كوابيسه التي ما عادت تُفارقه، لا بالنوم ولا بالصحوة، كوابيس الأسلحة والدماء المنتشرة في كلّ مكان، كوابيس أقدام تركض خلفه لتلتقطه وترميه رقماً جديداً على اللائحة السوداء، كوابيس بلد هُدّم في ليلة وضحاها.

صبيٌّ أنضجته حرب بلاده مليون سنة، هو الذي سألته عن حلمه فجاوبني من دون تردُّد: “بدّي إرجع عمدرستي، أنا ورفاقي بدنا نعمرّا سوا من جديد”.

فكيف يمرّ علينا عيد الميلاد ورأس السنة بظلّ المئات من “الفِراسات” المرمية على طرقات العنف والخوف؟ ها هو “فِراسنا” نجا من الموت الجسدي، لكنّه مات ويموت في كلّ يوم، ألف ميتة نفسيّة…

قد يعجبك ايضا