المجلس العالمي للتسامح والسلام

المراهقة…. وفقدان الشهية العصبي

د. أنطوان الشرتوني

يمر كل طفل بعدة مراحل خلال نموه الجسدي والنفسي. وطبعاً النمو يختلف ما بين الفتيات والصبيان. ويظهر هذا الإختلاف بوضوح خاصة في بداية عمر المراهقة بالرغم من إهتمام الصبيان والبنات بشكلهم الخارجي. فخلال تلك المرحلة، تهتم الفتيات بوزهنّ وتخفنّ أن يزيد، وتصبحنّ سمينات بينما هذا الخوف لا نجده عند الصبيان. فإذا كانت إبنتك تكثر من الحديث عن إنقاص وزنها وتمضي ساعات تراقب وزنها على ميزان الوزن، وتراقب بشكل مفرط الأطعمة التي يجب أن تأكلها وتتجنب الكثير من الاطعمة الأخرى وغيرها من الأمور… فهنا تدخل الأهل وخاصة الأم مهم جداً لمساعدة الأبنة التي يمكن أن تتفاقم “مشكلتها” وتصبح عرضةً  لإضطرابات خطيرة منها “وسواس البدانة”.  فكيف يمكن مساعدة المراهقة التي ترى نفسها دائماً بدينة؟ وما هو دور الأهل وخاصة الأم في إستعاب مشكلة إبنتها؟ وما هي الحلول النفسية؟

 

في عصرنا الحالي الذي يهتم كثيراً بالشكل الخارجي للشخص، ليس من المستغرب أن تنطبع في أذهان كل الناس خاصةً أذهان الأطفال والمراهقين، صور لشخصيات مثالية. ويحاول الجميع في تقليدهم سواء على الصعيد الصرفات أو على صعيد المظهر الخارجي. وتأتي الإعلانات التي تراها المراهقات، وتكون بطلات تلك الدعايات فتيات جميلات ونحيفات جداً، يحاولن المراهقات الصغيرات من أخذها كمثال أعلى وبالتالي تقليدها والتشبه بها من حيث مظهرها الخارجي. وهنا تكمن المشكلة وهي التشبه بتلك العارضات ذات القوام الرشيق والتي تتبعنّ نظام غذائي معين مناسب لعملهن. ولا غرابة، بسبب التعلق الكبير بالمظهر الخارجي، أن تكثر شكاوى الفتيات من البدانة الوهمية وتنتشر أفكار عن أهمية الرشاقة وصولاً إلى الهوس. فنرى تلك المراهقات تلجأنّ إلى الرجيم وبرامج الحمية “العنيفة” (أي أكل حبتا لوز في اليوم)  لتخفيف الوزن.

 

المراهقات و”هوس” تخفيف الوزن.

بعدما تكون قد خلعت ثياب الطفولة، تبدأ المراهقة بالإهتمام بالموضة و”آخر صرعة” وطبعاً بالرشاقة لكي تتناسب الموضة مع جسمها. وطبعاً، الفتاة التي ترى أمها التي تكون (عادة) مثالها الأعلى، غارقة أيضاً في إحتساب الوحدات الحرورية وماذا يجب أن تأكل وما الذي يجب أن تتجنبه، هذه الفتاة يجب أن تُعذر لأن حياتها العائلية مركزة على مبدأ “الرجيم وهوس الرشاقة”. وطبعاً، لا يعني كلامنا بأن الرشاقة ليست مهمة وبأن الإهتمام بالأطعمة الصحية لا يجب أن تكون من أولويات الإنسان، ولكن يجب أن لا يصبح هذا الاخير فريسة لأفكاره الهوسية عن الرجيم وشكله الخارجي.

وتتفاقم مشكلة “هوس” تخفيف الوزن في المدارس أيضاً، حيث نجد بأن موضوع الرشاقة والرجيم من المواضيع التي تثار في الصفوف الثانوية وتدور حولها نقاشات لامتناهية بين الطالبات التي توصفنّ التلميذات ما بين فئتين وهي: الرشيقات وصاحبات الأوزان الثقيلة. فتبرز مشكلتان هما: أولاً، عدم تقبل الآخر بسبب شكله الخارجي  وثانياً، الخوف المقلق من الوزن الثقيل الذي يؤدي إلى إضطراب نفسي وهو الأنوريكسيا أو فقد الشهوة العصبي للطعام.

أما على الصعيد العائلي، فمن المعروف بان المشاكل الغذائية قد تنشىء عن عدم إحساس بالأمن الأسري في سنوات الطفولة المبكرة. فنجد في العيادات النفسية، بأن بعض المراهقات اللواتي تعانينّ من إضطراب في الغذاء، عايشنّ خلال مرحلة الطفولة، شعور دائم بالقلق وهذا الشعور ليس وليد اللحظة، بل كان موجوداً دائماً بسبب مشاكل عائلية أو حتى مشاكل فردية.

والتلفاز له دور بارز أيضاً في حياة المراهقة التي تتنافس مع صديقاتها اللواتي يردنّ بأي ثمن، رشاقة عارضات الأزياء النحيلات.

 

ما هو دور اللوالدين؟

مسؤولية الوالدين مهمة جداً في موضوع الرشاقة وهوس الرجيم عند المراهقات. ويمكن من ذكر النقاط التالية وهي:

أولاً، إذا كان الوالدان من المبالغين في الرشاقة إلى حد الهوس، فستورث الفتاة المراهقة هذه المبالغة في تقدير شكلها الخارجي.

ثانياً، تفسير المكرر للمراهقة عن أهمية الغذاء والغبتعاد قدر الإمكان عن أهمية الشكل الخارجي. فبعض المراهقات يعتبرنّ بان النجاح في الحياة العملية يعتمد على الشكل الخارجي وطبعاص هذا الكلام غير دقيق وغير صحيح.

ثالثاً، إذا كانت المراهقة ترى والديها دائمي الإنشغال عن وزنهما، لا بدن أن ترث هذه الخصلة عنهما. لذا يجب أن يسيطر الوالدان على حديثهما خاصة حول موضوع الطعام والرشاقة والرجيم.

رابعاً، عدم إستعمال كلمات مؤذية عن الشكل الخارجي وعن البدانة مع المراهقات. كما طلب من المدارس التي تتردد عليها المراهقات بالإهتمام بالرياضة الصحية والتحدث عن مواضيع الغذاء بشكل معتدل وإظهار اهمية الطعام الصحي.

خامساً، الفتاة التي تتردد على مسمعها عن مستوى الدسم في الأطعمة، لا بد أن تتأثر بهذا الحديث غير المباشر عن الغذاء وعن الرشاقة. لذا الإبتعاد قدر الإمكان عن تلك الاحاديث.

 

… والعلاج؟

إن الإهتمام بأمور الوزن تتلاشى مع مرور الوقت. ودور الأهل أساسي في تعجيل إنصراف بناتهم المراهقات عن هذه الأفكار. ولا يجب أن تذعر الأم وتخاف على طفلتها إذا تكلمت عن وزنها. فربما هو سيكون حديث عابر. ويجب أن يفهم الأهل بأن المراهقات يقارننّ أجسامهن بأجسام عارضات الأزياء أو ممثلات الجميلات. وهذه المقارنة طبيعية ولكن يجب أن يفسّر الأهل بأن كل شخص لديه شكله الخاص وبأن تلك العارضات أو الممثلات تتابعنّ برامج غذائية معينة وبرنامج رياضي صحي جداً للحفاظ على شكلهنّ.

ولكن لا يجب أن يطيل الحديث عن الغذاء وبرامج إنقاص الوزن وأن لا يكثر الأهل من العودة إلى هذا الموضوع في كل مناسبة.

وإذا لاحظ الأهل بأن طفلتهما المراهقة تفكر بإستمرار بنوعية غذائها وتعاني من “هوس الرشاقة” أي تمارس بإستمرار الرياضة (وبدون إنقطاع) مع نوعية غذاء بسيطة وليست غنية نسبةً للرياضة التي تمارسها. كما إذا لاحظ الأهل بانها تتشبه بكثير بعارضات الأزياء وتطرح الكثير من الأاسئلة حول مظهرها الخارجي… وغير ذلك. يجب على الأهل أن يطلبوا المساعدة من طبيب وأخصائي نفسي لكي لا تتفاقف المشكلة وتصبح غير مسيطر عليها.

قد يعجبك ايضا