المجلس العالمي للتسامح والسلام

إقرأوا هذه السطور لتكتشفوا منافع العناق…

بقلم سيسيليا ضومط

“أنا لا أشعر بمحبة أمي لي، كأن كل شيء مزيف، تقول بأنها تحبني لكنني لا أحس بذلك، هي بعيدة عني، كأن هناك ألف حاجز بينها وبيني مع أننا نعيش في بيت واحد”، تقول رينا البالغة من العمر إثني عشرة سنة عن علاقتها بوالدتها التي تتفانى من أجل تأمين حاجاتها اليومية، فهي فور عودتها من عملها في الخارج تحضر لها الطعام، تهتم بدروسها، وغير ذلك.

غمرة لمدة حوالي 30 ثانية لأربع مرات في اليوم، كانت كفيلة بمعالجة هذا الشعور لدى رينا، وبإقناع والدتها بضرورة إشباع الحاجة للتعبير عن الحب والحنان لإبنتها ولنفسها أيضا.

يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بالتواصل مع الآخر، وهو يعبر عن نفسه ليس بالكلام فقط بل بنبرة الصوت ولغة الجسد كالنظرة والإبتسامة والملامسة. والمؤكد والأهم بالموضوع هو أن الإنسان بحاجة لأشخاص آخرين متواجدين في مسار حياته، مع عدم إغفال نوع وعمق العلاقة معهم، فقد يغنيك وجود شخص مميز عن عشرة آخرين، أما حين يصل الفرد إلى الإنعزال والتوحد فيصبح بحاجة ملحة للعلاج النفسي.

تدفعنا الضغوطات اليومية إلى الإبتعاد الضمني شيئا فشيئا عن الآخر، فنفقد التواصل الإيجابي معه؛ فنتبادل الكلام الضروري، نتلهى كل بأموره الخاصة الضيقة، نعيش بعزلة بالرغم من وجود الآخرين حولنا. حتى في الجلسات العائلية الضيقة، ترى الجمود يلف الجميع، عيون شاردة وقلقة، هواتف ذكية تسرق الإهتمام المتبادل والمشاركة والود، والنتيجة تواجد جسدي خال من المشاعر والتواصل الحقيقي.

تكمن أهمية التواصل في التعبير عن النفس، عن المشاعر والإنطباعات وخلق العلاقة مع الآخر، رسائل نتبادلها من خلال الكلمات، نظرة العيون، الإبتسامات والملامسة، كالسلام والقبل والعناق.

يعرف العناق بالإحتضان، الغمرة، الضم أو العبطة، فهو طريقة مثلى للتعبير عن المشاعر وتبادل العواطف، بين الجميع، على عكس ما يظن البعض بأنها تقتصر على المتحابين والمتزوجين. ليست الغمرة طريقا للعلاقة الجنسية، بل هي إيصال مكنونات النفس للآخر، زوجا كان أو حبيبا، إبنا أو إبنة أو صديقا أو رفيقا. أما تأثير الإحتضان فسحري وإيجابي، يلغي المسافات ووجع الفراق، يحسن الوضع الصحي والنفسي؛ كما ينصح باحتضان دمية أو مخدة عند شعورنا بالوحدة والتعب، فننعم بالراحة والأمان.

أما القدرة على احتضان ومعانقة من نحب فتبقى رهينة ما تربينا عليه من عادات لا تخلو من الجفاء والكبت العاطفي بسبب الحرمان والقلق والضغوطات الحياتية، بالإضافة إلى اعتبار البعض أن العناق دلع ووسيلة تكسر احترام ورهبة الأهل.

ليس من السهل تغيير العادات التي اقتنعنا بمثاليتها لسنوات، لكن بهدف علاقات إنسانية أفضل يصبح التغيير واجبا، فإذا كانت المعانقة تكسر الحواجز والمسافات التي تزرعها انشغالات العصر وأساليب التفرقة، لما لا؟

إليكم بعض المنافع للغمرة بشكل عام:
– نشعر بأننا محبوبين وبأن الآخر يرغب بالتقرب منا، ما يزيد من ثقتنا بأنفسنا وتقديرنا لذواتنا.
– يرفع مستوى هورمون السعادة فيزرع فينا الفرح والسرور والعفوية، ما ينعكس طاقة إيجابية على المحيط.
– يزيل الحواجز التي تتسبب فيها المشاكل والأحداث السلبية ويساعدنا على الغفران والمسامحة.
– يشعرنا بالأمان والإستقرار.
– يشعرنا الإحتضان بالحب والرابط العاطفي مع الآخر، فيعطينا الإستقرار والأمان والإكتفاء.
– يشعرنا بالدلال والحنان والمداعبة.
– يعزز التفكير الإيجابي، ويظهر اهتمام الآخر بنا.
– يحفز على الإعتراف بالأسرار التي نخفيها عن الآخر.
– يخفف من التوتر والقلق والحزن ويساعد على الإسترخاء والنوم.
– يخفف من احتمال الإصابة بالأمراض والمشاكل الصحية المرتبطة بالتوتر والقلق، كضغط الدم وأمراض القلب والشرايين وغيرها.
– للعناق تأثير الأدوية المسكنة للألم.
– يخفض عدد ضربات القلب.
– يرفع مستوى الدوبامين فيبعدنا بذلك عن الإكتئاب.
– يمنح النشاط والحيوية تماما كتأثير سماع الموسيقى المفضلة وممارسة الهوايات.

قد يظن البعض بأن المعانقة لم تكن معتمدة منذ عشرات السنين وكانت الأمور العائلية والإجتماعية بخير؛ هذا صحيح إلى حد ما لكن نمط الحياة تغير من حيث تراجع الترابط الأسري من جهة وضغوطات الحياة ووسائل التفرقة من جهة أخرى.

قد يعجبك ايضا