عقد مؤتمر ومعرض التعليم الخليجي الحادي عشر الذي نظّمته جامعة الأعمال والتكنولوجياUBT” ” في جدّة تحت عنوان “الثورة الصناعية الرابعة ومستقبل التعليم” بحضور أصحاب السمو والمعالي والمفكرين والمبدعين والأكاديميين والمخترعين، ولفيف من أهل الصحافة والإعلام حيث التقت “لها” بين ردهات المؤتمر وحاورت سيدة شامخة بعلمها وعطائها، وتمنح بِطاقتها الإيجابية وبصيرتها النافذة وحكمتها الحياة لطلابها، بحيث ترسّخ العلم في عقولهم وتزرع الأمل في نفوسهم. الدكتورة المهندسة بسمة الزين هي عميدة البحث العلمي في جامعة الأعمال والتكنولوجيا “UBT”، وحاصلة على دكتوراه في هندسة النانو للطاقة الشمسية “اختصاص من ضمن”، وماجستير في الذكاء الاصطناعي.
- ما أهمية التعليم اليوم في الثورة الصناعية الرابعة؟
منذ فترة والتعليم في العالم العربي لم يأخذ حقه كاملاً في ظل الثورات الصناعية القديمة. وللأسف غالبية برامجنا مبنية على الثورة الصناعية الأولى، لذلك نحتاج اليوم الى تحديث كل برامجنا لتواكب احتياجات سوق العمل وتتماشى مع أهداف الثورة الصناعية الرابعة، وذلك بسبب التغيّر السريع في الوظائف والتأثير الوشيك للذكاء الاصطناعي والأتمتة، ومنها التركيز على استخدام التكنولوجيا، والنانو تكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، لأن كل العلوم مبنية عليها.
- هل انضوت كل فئات المجتمع تحت لواء الثورة الصناعية الرابعة، بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة؟
المفروض أن يكون هناك مواءمة بين كل فئات المجتمع، لكن لا نزال نعاني ضعفاً في هذه النقطة، ولم نعطِ الثورة الصناعية الرابعة حقها إلى الآن، بحيث لم تُتح للنساء أو الأطفال أو لذوي الاحتياجات الخاصة فرصة المشاركة في هذه الثورة، فاتّسعت الفجوة بين المهارات، ولم تعد المشكلة مرتبطة بنقص الموظفين بل بنقص الموهوبين المهرة، لأن ممارسي المهن الحديثة يحتاجون دائماً إلى اكتساب مهارات إضافية، مع تمتين الروابط بين أصحاب العمل وأُسس التعليم في الجامعات، التي تجهد اليوم لاستقطاب كل فئات المجتمع إليها.
- ما نسبة مشاركة المرأة في الثورة الصناعية الرابعة؟
المرأة العربية أثبتت وجودها وجدارتها في هذه الثورة الصناعية، وهناك نساء عربيات تُرفع لهن القبّعة نظراً لعملهن المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي. فحين كنت أحضّر للدكتوراه والماجستير، كان تدرس معي أمّهات عربيات في هذا المجال ويعملن جاهدات لخدمة أوطانهن. فالمرأة العربية أصبحت تعي تماماً أهداف الثورة الصناعية الرابعة وإيجابيات التكنولوجيا الحديثة، ولم تعد تخجل من المشاركة فيها، لا بل وضعت بصمتها في الكثير من المجالات، وسجّلت براءات اختراع أشادت بها مجلات عالمية.
- ما نوع براءة الاختراع التي سجّلتها؟
عام 2015 سجّلت براءة اختراع في أميركا، ولها علاقة بمواد تُستخدم في تكنولوجيا النانو، وتخدم تطبيقات الطاقة المتجددة “الطاقة الشمسية”.
- وما أهمية الطاقة الشمسية؟
إذا استغللنا هذه الطاقة كما يجب، فستكون قادرة على تلبية كل احتياجات الطاقة المستقبلية.
- إلى أي مدى تخدم تلك الطاقة البشرية؟
يمكن استغلال الطاقة الشمسية في الكثير من المجالات عبر تحويلها إلى أشكال أخرى من الطاقة، مثل الطاقة الحرارية والكهربائية، وثمة مساعٍ لجعل التكنولوجيا التي نعمل عليها اليوم صديقةً للبيئة، وفي الوقت نفسه تصنيعها بتكلفة أقلّ وأوفر من التكنولوجيا الموجودة حالياً.
- ما هي المواد التي عملتم عليها؟
اكتشفنا مواد وعملنا عليها لتصبح في أحجام متناهية الصغر حتى نستطيع تحويل زجاج البنايات إلى خلايا شمسية فتكون في الوقت نفسه نوافذ ومصدراً للطاقة الشمسية يُستفاد منها في المنازل.
- غالبية الدول العربية تنعم طوال العام بنور الشمس، لكن لماذا كل هذا التأخّر في استخدام الطاقة المتجددة؟
إذا ركّزنا على دول الخليج عامةً، نجد أن الأيام المُشمِسة فيها أكثر بكثير من الأيام التي تغيب فيها الشمس، لكن هذه الدول كانت تعتمد على الاقتصاد الأحادي المرتكز على النفط. ومع التوجه الجديد ورؤية 2030 الداعمة، والتي شدّد فيها الأمير محمد بن سلمان على السعي الى اقتصاد المعرفة المبني على الصناعة، وجُب علينا البحث عن البدائل، ومنها الطاقة المتجددة، وخاصة “الطاقة الشمسية”.
- استُخدمت التكنولوجيا التي تعتمد على السيليكون، لكن فجأة توقف استخدامها، فما السبب؟
لأن هذا النوع من التكنولوجيا تكاليفه باهظة، وعُرضة لمشاكل كبيرة، وخاصة إذا استُخدم في الصحراء، حيث يؤثّر الغبار المتطاير سلباً في الألواح الشمسية، لكن مع استخدام النانو والتكنولوجيا الجديدة تمكّنا من حل هذه المشاكل.
- كيف وجدتم حلاًّ جذرياً لتلك المشكلة؟
عملنا على خصائص الخلية الشمسية، بعدما سعينا للعمل على الغلاف الخارجي لينظّف نفسه بنفسه، حتى باتت الألواح الشمسية تنظف نفسها بنفسها، ولم تعد تتأثر بالرمال والغبار والمطر.
- من يدعم الدكتورة بسمة في مسيرتها؟
الدعم الكبير أتلقّاه من أهلي، وعلى رأسهم والدي الذي يملك العلم والمعرفة ويدفعني دائماً لخدمة الأمة العربية والإسلامية، وأنا سائرة على هذا المبدأ. كذلك يدعمني في مسيرتي زملائي وأبنائي، وخصوصاً ابنتي التي تدرس هندسة الفضاء في فرنسا، وتواكب مسيرتي باستمرار.
- كيف تنظرين إلى تطور المرأة؟
أنا مؤمنة برسالتي، ويهمّني تطور وتطوير المرأة العربية والإسلامية، كما أهتم بدعم زميلاتي وأُحاول أن أكون نموذجاً لهن في المساعدة، فنعمل يداً بيد لنُحدِث تغييراً إيجابياً في الثورة الصناعية الرابعة.
- كيف تزرع الدكتورة بسمة الأمل في نفوس طلاّبها؟
أنا أول دكتورة تتبوّأ هذا المنصب “عميدة البحث العلمي في جامعة الأعمال والتكنولوجيا “UBT، والتي كان فريقها الأكاديمي حكراً على الرجال. فقد كنت باحثة في العلوم في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وقبلها كنت عضواً في هيئة التدريس في جامعة “دار الحكمة”، وخلال مسيرتي الطويلة التي امتدت لأكثر من ٢٠ عاماً، عملت مع أعداد هائلة من الطلاب، وكنت أحرص على تشجيعهم وزرع الأمل في نفوسهم، وترسيخ العلم في عقولهم، طالما أنهم يمتلكون الذكاء وحُبّ المعرفة، ولم يعد دوري مقتصراً على نقل المعلومة، بل تركت الفضاء مفتوحاً أمامهم ليستمرّوا في البحث والمناقشة والاطّلاع لتطوير حسّهم العلمي وتقوية إيمانهم بقدراتهم، والدفع بهم في طريق البحث العلمي، وكلما سعيت في هذا الاتجاه وجدت أيادي مرفوعة وعقولاً نيّرة تستطيع الوصول إلى القمر.
- هل من معوقات تعترض مسيرة الطلاّب العلمية؟
للأسف الشديد، هناك من يخنق كل فكرة مميزة قد تلمع في رأس أحد الطلاب، ولم أتمكن من تفسير هذه الظاهرة، فالعلم أمانة والطلاّب مسؤولية في أعناقنا نحن الأساتذة سنُحاسب عليها، لذلك يجب أن ندعم الطلاب بكل ما نملك من قوة علمية وفكرية واجتماعية، ونكرّم المتفوّقين منهم لنحقق إنجازات علمية مهمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في هذا المحفل الأكاديمي كرّمت الجامعة بعض طلاّب المدارس الموهوبين، وعلى رأسهم الطالبة ماريا أنديجاني التي كُرِّمت بجائزتين على مستوى المملكة في أولمبياد البحث العلمي، والطالب توفيق منجد (عمره 11 عاماً) الذي نال جائزة مميزة من الطلاب الذين تحتضنهم الجامعة.
- إلامَ تطمحين كامرأة تعيش في عالم عربي يعاني مشاكل اجتماعية واقتصادية مختلفة؟
أنا امرأة التغيير، أسعى للتأثير في الشبان والشابات بكل ما أملك من علم وحكمة، كي يغيّروا أسلوب تفكيرهم، لأن الجيل الجديد محبط من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأتمنى أن أنجح في إخراجهم من دوّامة الإحباط من خلال التنمية المستدامة.
- كونك عضواً في مؤسّسات ومنظمات عالمية عدة، حدّثينا عن الدور الأكاديمي والاجتماعي والإنساني الذي لعبته؟
لقد سعيت لنشر السلام وقيم التسامح والمحبّة بين الدول في ظل عالم يزداد تعقيداً، وخاصة بصفتي نائبة رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام للشؤون الأكاديمية والعلمية، وهو مجلس عالمي يُعنى بنشر قيم التسامح والسلام في العالم.
- ممَّ يتكون المجلس العالمي؟
يتكون المجلس العالمي من عدد من الأجهزة، أهمها البرلمان الدولي للتسامح والسلام ويضم أكثر من ٦٥ دولة، والجمعية العمومية. ومن أهم لجانه، لجنة المرأة والشباب والتنمية المستدامة. هذا بالإضافة الى أنني عضو مميز في المعهد العالمي لمهندسي الكهرباء والإلكترونيات وجمعية بحوث المواد والرابطة الأميركية لتقدّم العلوم وغيرها.
- ما تأثير كل هذا في المجتمع العربي؟
الظروف الصعبة والتحدّيات التي يعيشها العالم العربي، والمنافسة غير الشريفة التي يشهدها، تدفعنا للعمل يداً بيد من خلال التنمية المستدامة، وخدمة المجتمع، والتعليم الذي يُعتبر مهماً في التطوير من خلال تبادل الأحاديث مع الطلاب. فالعلم لن يكون عبارة عن إلقاء محاضرة تلقين، بل هو سعي لتوجيه الطلاب الى الطريق الصحيح والاستفادة من أسئلتهم، لأن الحياة كي تستمر تحتاج الى تكاتف الجميع وحل المشاكل بكل أنواعها، وتستوجب منهم التفكير خارج الصندوق للاستمرارية في التعلّم مدى الحياة.
- كيف تتعاملين مع طلاّبك؟
أرى فيهم أبنائي جميعاً، وأحب أن يكونوا أفضل الطلاب علماً وحكمة، والأغلب ينادونني “ماما” لكثرة اهتمامي بهم ومشاركتي لهم أحزانهم وأفراحهم، فهم يعتبرونني مثلهم الأعلى في الحياة. وأنا أسعى دائماً لتثقيفهم علمياً من خلال الطلب إليهم قراءة المجلات العلمية وآخر نتاج العالم التكنولوجي. وبما أنني أدرّس الهندسة الكهربائية، أشجعهم على عمل أبحاث وأدفعهم للتفكير بالتكنولوجيا لنكتشف بأي تقنية تعمل، وكيف تعطينا ما نريد، وهم يتواصلون معي بعد التخرّج ليأخذوا بنصيحتي في اختيار الوظيفة الأمثل، فأنا أمّهم التي لم تلدهم.
- في ظل انتشار الأميّة في العالم العربي، كيف تنظر الدكتورة بسمة إلى المرأة العربية؟
“العلم سلاح المرأة القوية”، هو المبدأ الذي ربّاني عليه والداي، فدور العائلة مهم جداً في حياة الأنثى، وأتمنى أن تزرع كل عائلة في نفوس بناتها حبّ العلم والتعلّم، والعلم يأتي بالتعب والجهد والسهر، بعد دعم الأهل، وعلى الطلاب والطالبات أن يجتهدوا ويبحثوا، وأنا تابعت دراسة الدكتوراه من خلال عملي، لأنني وضعت أهدافي نصب عيني، وسعيت لتحقيقها بناءً على ما تربّيت، فالعائلة تلعب دوراً مهماً في تشجيع أبنائها على التفوّق.
- كلمة أخيرة توجّهينها الى المرأة العربية.
أقول للمرأة العربية، انطلقي بقوة وذلّلي العقبات لتحققي أهدافك.