المجلس العالمي للتسامح والسلام

مجلة سايبر سيكيورتي: مقابلة مع رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام معالي الدكتورأحمد الجروان

إننا في مجلة سايبر سيكيورتي نركز فقط على موضوع الأمن الإلكتروني, ولكن في بعض الأوقات من الضروري النظر إلى الصورة بشكل أوسع حيث أن هذه الأزمة تعتبر واحدةً في هذه الأوقات.
وإذ، إنه لشرفٌ لنا ومن دواعي سرورنا أن تتسنى لنا الفرصة لإجراء هذه المقابلة مع معالي الدكتور أحمد الجروان, رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام.
مجلة سايبر سيكيورتي: صاحب المعالي, إن مبادرة المجلس العالمي للتسامح والسلام أساسية وهي تعتبر منارةً للبشرية لممارسة التسامح رغم اختلافاتنا, وهي تعالج بشكلٍ مباشر كارثة عدم التسامح والاقتتال الذي استمر ووثق في كافة مراجع التاريخ البشري, إذ إن الطموحات الجريئة تؤتي ثمارها.
إننا كمجلة للأمن الالكتروني ندرك قيمة الاتصال عبر الفضاء الإلكتروني ؛ لذا فإن وجهة نظرك ذات قيمة فعالة لفهم كيفية تعزيز فضيلة التسامح والسلام دون أن تضعف عبر الإنترنت.
و لطالما كانت البشرية تسعى لتحقيق قيم التسامح والسلام بوجود عالم متصلٍ بشكلٍ أكبر. كيف ترى هذه القيم تتطور من خلال الانترنيت؟
معالي أحمد الجروان: إن ردم الفجوة بين الحضارات أمر ملحٌ وضروري لتحقيق السلام والتسامح والاستقرار والتنمية, و يجب استخدام وسائل مختلفة لتعزيز هذه القيم ، وإحداها هو استخدام التكنولوجيا ، وتحديداً استخدام الإنترنت ، حيث أنها الآن تشكل جانباً مهماً في حياة الناس ، وهي تعتبر مساعداً مهماً في الحصول على المعلومات للباحثين عنها.
لقد تطورت شبكة الإنترنت إلى درجةٍ أصبحت تساعد الناس على اكتساب معرفة الذات فيما يتعلق بالقضايا الشخصية الصعبة مثل الأخلاق والقيم من خلال كونهم على اتصال ومن خلال التعرض لمجتمع أوسع من الأقران والخبراء, فمن خلال محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي المتاحة ، يمكن للأفراد من جميع أنحاء العالم أن يكون لديهم الفرصة للتفاعل مع الأشخاص داخل وخارج مجتمعاتهم على حدٍ سواء.
حيث يمكن تيسير الحوار القيّم بين الأشخاص من خلال خلفياتهم العرقية والدينية والسياسية المختلفة بسهولة ، الأمر الذي يمكن أن يغير المواقف ويغير التصورات ويشجع التسامح والتفاهم المتبادل بين المجموعات المختلفة التي لم يكن لديها هذه الفرصة للتفاعل مع بعضها البعض من قبل.
و يمكننا حاليًا استخدام هذه التقنية عبر الإنترنت لإدارة النزاعات والحد منها ومنعها تماما وبناء السلام من خلال جمع حجم كبير من البيانات مجانًا ومن ثم تحليل هذه البيانات من خلال تحديد ومقاومة خطابات الكراهية وتحديد وتحليل إدراك الأشخاص وتحديد حوادث العنف ووضع خارطة لها وتتبع الجماعات العنيفة والغير متسامحة ، وتحديد الأمثلة الجيدة للسلوكيات السلمية والمتسامحة.
و قد لاحظنا زيادة في عدد مراكز البحوث الدولية ، مثل ستانفورد وهارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ، التي تبحث في استخدامات التكنولوجيا في تحقيق السلام ومنع النزاعات ، وتوليد مؤشرات السلام والمزيد من المعلومات المفيدة عن ديناميكيات الصراع وتعزيز السلام.
مجلة سايبر سيكيورتي : هل نحاول توحيد كيفية تعريف التسامح لدى الفئات الاجتماعية في العالم؟
معالي أحمد الجروان: إن التسامح عنصرٌ ضروري لعالم سلمي ومستقر, و قد أعلنت الأمم المتحدة مسبقاً عن هدفها في “ممارسة التسامح والعيش معا في سلام مع بعضنا البعض كجيرانٍ صالحين”. علاوة على ذلك ، أوضحت اليونسكو أيضًا معنى التسامح وفقاً للمادة 1.1 “التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الغني لثقافات عالمنا ، وأشكال التعبير الخاصة بنا وطرق ممارسة انسانيتنا … التسامح هو التناغم في الاختلاف”
إننا في المجلس العالمي للتسامح والسلام لدينا دور مهم لنقوم به في توحيد معايير التسامح والسلام في العالم فقد تم تأسيس المجلس العالمي للتسامح والسلام كمنصةٍ دوليةٍ لتعزيز التسامح والسلام في العالم, وبالاعتماد على كفاءاتنا القيمة واستنادا إلى قيمنا العظيمة ، فإننا نحمل العديد من المسؤوليات على أكتافنا ، وقد قمنا بتحديد مهام وأنشطة مختلفة ، وأنشأنا كيانات مختلفة لتلبية أهدافنا الرئيسية وهي: تعزيز وغرس قيمة التسامح ، و تطوير قواعد القانون الدولي لتناسب احتياجات المجتمع الدولي, و تعزيز السلام والأمن الدوليين, ومحاربة جميع أشكال التمييز والعنصرية والتعصب, و تشجيع المبادرات التي توفر حياة كريمة للجميع ، إضافةً إلى تعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان والحريات العامة, ودعم التنمية المستدامة ومساعدة البشرية من أجل تحقيق حياةٍ سلميةٍ ومستقرة.
إن مهمتنا هي العمل على نشر ثقافة التسامح والسلام من أجل معالجة قضايا السلام العالمي المعاصر ، من خلال المكونات المختلفة للمجلس العالمي للتسامح والسلام مثل البرلمان الدولي للتسامح والسلام (IPTP) والجمعية العمومية.
اما بالنسبة للبرلمان الدولي للتسامح والسلام ، و هو المكون الرئيسي الأول لـلمجلس العالمي للتسامح والسلام ويضم أكثر من 65 برلماني من جميع أنحاء العالم, وهو يعالج مواضيع المرأة والشباب ، والعلاقات الدولية ، والقانون الدولي ، وتعزيز السلام ،وقد عقد البرلمان الدولي للتسامح والسلام أربع جلسات ناجحة على التوالي في مالطا وألبانيا والأرجنتين ومؤخرا في إثيوبيا.
و يتعامل أعضاء البرلمان الدولي للتسامح والسلام مع القضايا الحالية في العالم ، ويعملون على اقتراح الحلول من خلال الإعلان عن التصريحات والمواثيق ووضع خطط العمل المطلوب تنفيذها ، وكل ذلك من أجل الوصول إلى عالمٍ يسوده السلام.
بينما تعتبر الجمعية العمومية ، المكوّن الرئيسي الثاني لدينا ، وهي تتألف من بناة السلام ودعاة التسامح والمؤسسات (الجامعات والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحوث) الذين ساهموا في التسامح والسلام والذين لديهم بصمة في تعزيز التسامح والسلام العالمي من خلال البحث و المشاريع البناءة.
وقد تم اختيار المنظمات غير الحكومية والأفراد بناءً على نوع خدماتهم التي تغطي قطاعات مختلفة مثل النساء والشباب ووسائل الإعلام والاتصالات والتنمية الاجتماعية والثقافية والتنمية المستدامة والأوساط الأكاديمية كما تم الشروع في العديد من المشاريع لبناء خارطة طريق للتسامح والسلام.
مجلة سايبر سيكيورتي: الإنترنت هو مزيج من الآراء والأفكار التي تضفي الديمقراطية وتعطي صوتًا للجميع ، هل تعتقد أن هذا هو المنبر الوحيد لتعزيز فضائل التسامح والسلام؟
معالي أحمد الجروان: في عالمٍ انتشر فيه الظلم الاجتماعي ، والفساد ، وعدم المساواة ، والانحطاط الأخلاقي ، والإرهاب ، والتمييز، والتطرف والعنف ، حان الوقت لكي نتحد ونعتز بالسلام ونعمل من أجل تحقيقه ؛ لقد حان الوقت لاتخاذ استراتيجياتٍ وطرقٍ جديدةٍ على المستوى العالمي ، لقد حان وقت العمل.
يمكن أن يتم تعزيز التسامح والسلام باستخدام العديد من الوسائل على أساس الجمهور المستهدف وأساليب التواصل. حيث تعتبر الانترنيت ، من خلال تطبيقاتها ، إحدى الأدوات التي يمكن استخدامها لتوصيل هذه القيم, وقد تم تطوير وتنفيذ العديد من المشاريع والبرامج لتعزيز التسامح والسلام وكان آخرها وثيقة الأخوة الإنسانية والتي تعتبر إنجازاً جديد في تاريخ البشرية ، تم تحقيقه في الرابع من شباط عام 2019 ، وهو اليوم الذي تم فيه إصدار وثيقة الأخوة الإنسانية والتوقيع عليها من قبل قداسة البابا فرنسيس و الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب في أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة ، أرض التسامح.
وقد تم تطوير العديد من المشاريع الأخرى باستخدام التعلم الآلي ، والذكاء الاصطناعي ، وإنترنت الأشياء وتكنولوجيا النانو والعديد من التقنيات الحديثة الأخرى التي تخدم تعزيز التسامح والسلام من خلال حل مشاكل العالم الحقيقية مثل الفقر والمياه وتغير المناخ والتعليم والطاقة والنقل والعديد من القطاعات الأخرى التي ستساهم جميعها في تحقيق التنمية المستدامة.
إن تطوير حاضنات و مسرعات الاعمال سيدعم رواد الأعمال من النساء الناشطات والشباب والمعوقين ، في تعزيز التسامح والسلام. كما تقديم المساعدة الدولية للمتضررين من الكوارث ، وكذلك دعم المشاريع الانشائية ، التعليمية و الصحية ، والإنسانية في العديد من البلدان كلها تعتبر وسائل أخرى لتعزيز التسامح والسلام , كما أن التدريب الأكاديمي وورش العمل والمؤتمرات والندوات والانشطة الرياضية ستدعم جميعها تعزيز قيم التسامح والسلام.
مجلة سايبر سيكيورتي : ما هي أكبر المخاوف لديك بشأن منصات وسائل التواصل الاجتماعي ، ففي حين أنها تسمح للأفكار الجيدة بالتطور إلا أنها تترك مساحة كافية للسلبية لتزدهر؟ هل يجب أن يكون لدينا تنظيم عالمي لهذا؟
معالي أحمد الجروان: تعتبر الإنترنت في الوقت الحاضرواحدة من الأسلحة الفتاكة التي تدمر الكراهية والصراع وتنشر السلام والتسامح, وقد أظهر استخدام الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الإجتماعي مثل فيس بوك و تويتر والمدونات ومقاطع الفيديو على اليوتيوب كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكمل وتعزز ممارسة حقوقنا في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمي.
و ينقسم جمهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى فئتين ، منشئي المحتوى والمستهلكين ، وقد يكون هذا عاملاً هامًا في خلق الصراع لأنه يفتح الباب أمام الناس حول العالم للقاء والمناقشة والتعرض لخطابات تنشرالعنف و الخبث ، ووفقاً لعالم أداب الإعلام إيدان وايت: “إن تعلم العيش مع حرية التعبير في العصر الرقمي يتطلب تحركاً جديداً لمساعدة الناس على أن يفهموا أن حرية التعبير لا تخلو من بعض المسؤولية”.
و تعد وسائل الإعلام والاتصال من أهم اهتمامات المجلس ، ويتم تناولها في البرلمان الدولي للتسامح والسلام والجمعية العمومية فقد تم تطوير العديد من المبادرات لوضع اللوائح والمبادئ التوجيهية المتعلقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من منظور منشئ المحتوى والمستهلك, وأود أن أعلن أننا ننظم حاليا ندوة ستعقد في فرنسا حول الإعلام الاجتماعي والتواصل بعنوان “تعزيز دور الإعلام والاتصال في تعزيز التسامح والسلام”
مجلة سايبر سيكيورتي: : هل هناك طريقة لمشاركة المدارس والشباب في المجلس ليتعلمو ويكونوا مؤثرين في بيئتهم ومجتمعاتهم؟ ففي نهاية الأمر، أنني أود أن أترك هذا العالم في مكان أفضل لأطفالي.
معالي أحمد الجروان: إن التعليم هو أحد الركائز الأساسية للتسامح والسلام التي يجب العمل عليها باستمرار من خلال تطوير برنامج متخصص عالي الجودة في جميع مستويات التعليم. يجب أن تصمم هذه البرامج لتلبية احتياجات المجتمع من منظور المشاركة الاقتصادية والثقافية والمجتمعية.
إن تدريس التسامح ، كتخصص اكاديمي قد أصبح أمرًا حيويًا لرعاية وتزويد الخريجين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتلبية متطلبات المجتمع من أجل العيش معًا في وئامٍ واستقرار فمن دون التسامح لا يمكن الحفاظ على سلام المجتمعات ، ولا يمكن تحقيق الولاء والقبول بين بعضها البعض.
و يلعب التعليم العالي دورًا رئيسيًا في إعداد صانعي التغيير والقادة ورجال الأعمال والقادرين على حل المشاكل والمفكرين الناقدين وصناع القرار الذين هم على استعدادٍ لمواجهة تحديات الحاضر المتعدد الثقافات والاستجابة لها مثل العنف والإرهاب والنزعة القومية العدوانية والعنصرية والإقصاء والتهميش والتمييز, و يعمل المجلس حاليًا بشكل وثيق مع شركائه الأكاديميين الدوليين لتطوير برنامج الماجستير والدكتوراه في التسامح ، والذي سيتم تقديمه لجميع المتعاونين وسيتم دعمه ورعايته من قبل المجلس.
يجب أن يكون الانفتاح وفهم الآخرين طريقنا في تعليم أطفالنا من رياض الأطفال إلى مستوى الدراسات العليا ، وأن نظهر لهم الثقافة والخلفيات المتنوعة ، والإنسانية المشتركة الأساسية, كما يجب أن نعلمهم أهمية نبذ العنف وتبني الوسائل السلمية لحل الخلافات والصراعات. كما جاء في جميع الأديان, و يجب أن ننمي في الأجيال القادمة مشاعر الانفتاح والاحترام تجاه الآخرين والتضامن والتشارك على أساس الشعور بالأمان في هوية المرء والقدرة على التعرف على الأبعاد العديدة للإنسان في سياقات ثقافية واجتماعية مختلفة.
كما ينبغي أن نعلمهم النزاهة والتنوع والجودة والالتزام والاحترام والتضامن وأن نبني فيهم الكفاءات مثل التواصل والابتكار والإبداع وتقاسم المعرفة والتعاون والشراكة والتأثير والتمكين.
إن كل عنصر من عناصر المجتمع مسؤول ويجب أن يساهم في تعليم التسامح ودعم وتمكين الشباب.
إننا نعمل حاليًا على تطوير برنامج سفراء السلام ، وسنعلن قريبًا عن برلمان الشباب للتسامح والسلام. يجب أن ننشئ إرثًا ونرسم مستقبل أطفالنا ونعد جيلًا جديدًا مزودًا بمهاراتٍ ومعارف جديدة وخبرات فنية ، ويجب أن نركز على نظامٍ تعليميٍ مبتكر وخلاق يلبي احتياجات مجتمعنا في مواجهة التحديات العالمية كما ينبغي أن نبني عقلية جديدة في المجتمعات من شأنها أن تعزز السلام.
نحن نحلم جميعًا بعالمٍ مثالي مليءٍ بالسعادة والاستقرار والسلام والأمن ، والآن يمكننا أن نجعل هذا الحلم حقيقة ، على الرغم من الصراعات والحروب وقضايا المناخ والبيئة التي انتشرت حاليا يمكننا إحداث التغيير.
يجب أن نعمل جميعًا مع بعضنا البعض بشكلٍ جدي ، وأن نتحد معًا لتطوير ودعم مبادرات السلام والتسامح.
نحن نزرع اليوم ، حتى نحصد غدًا النتائج التي تتمثل في عالمٍ يسوده السلام .

قد يعجبك ايضا