المجلس العالمي للتسامح والسلام

كيف تتجنّب الوقوع في فخ اكتئاب العطل والمناسبات الإجتماعية؟

بقلم سيسيليا ضومط

تراقص العاملون في تلك الشركة فرحا بسبب حصولهم على يوم عطلة إضافي، وبدا الإرتياح والفرح على وجوههم وتصرفاتهم باستثناء زلفا، التي اصفر وجهها لشدة الإنزعاج وذهبت لتستأذن مديرها المجيء إلى العمل في يوم الفرصة، “أنا لا أحب العطلة، فهي تصيبني بالإحباط، وأنتظر العودة إلى العمل بحزن شديد”. قول زلفا فاجأ الجميع.

هل هناك من لا يحب العطل؟ ما سبب ذلك؟ ما هي نتيجته؟ وهل من علاج؟

الضغط النفسي والإكتئاب الذين يرافقانك أينما كنت لن يتركاك تنعم في أيام العطلة والأعياد والمناسبات الإجتماعية، فهما يصيبان تلك الأيام بالمرض تماما كجسدك في حال عدم العلاج.

كيف تتجنب الوقوع في فخ اكتئاب العطل والمناسبات الإجتماعية؟

قد يصيب اكتئاب العطل الجميع، نساء ورجالا وأطفالا من جميع الفئات العمرية، أما أعراضه فهي لا تقتصر على الصداع والأرق والإضطرابات في النوم والشهية؛ كما تدفع بالمصاب إلى الإفراط في التدخين وشرب الكحول وما سوى ذلك.

أسباب اكتئاب العطلة:

من أهم الأسباب التي تؤدي إلى اكتئاب العطل والفرص هي الفراغ الذي يشعر به الفرد عندما يتوقف عن القيام بعمله، كما قد يكون تراكم المسؤوليات والإلتزامات الملقاة على عاتقه والتي تمنعه من التمتع بالعطل ومن القيام بالأمور الممتعة المسلية السبب، فيشعر بالضغط النفسي. كذلك قد يتسبب عدم وجود حبيب بغياب الرغبة الكلي بالعطل، كذلك ضعف العلاقات الإجتماعية من أصدقاء ورفاق ومجموعات. ويرتبط اكتئاب العطل بمكان إمضاء تلك الأوقات، فإذا كانت لا تشعر الإنسان بالراحة والفرح تتسبب في ارتفاع منسوب الإنزعاج شيئا فشيئا وصولا لدرجاته القصوى. ويتسبب فقدان شخص تعلقنا به وتعودنا على وجوده في أيام العطل عادة بألم نفسي واكتئاب، وليس من الضروري أن يكون هذا الشخص قد مات، فقد نفتقد من سافر أو غير عنوان إقامته لمنطقة بعيدة. وقد يرتبط ذلك بمكان الإقامة والذكريات التي عشناها فيه، التي قد تكون جميلة وتؤلمنا بسبب انتهاء حب وود، فتشعرنا بالفراغ العاطفي، وقد تكون فاقدة لأي أمر يربطنا بها فتتسبب لنا بالبرودة العاطفية التي تولد الفراغ والملل، وأحيانا كثيرة ترتبط الأماكن بذكريات محزنة ومعاناة.
للضغوطات الإقتصادية دور هام في التسبب باكتئاب العطل، فالشخص الذي يربط التسلية والمرح بالمال يعاني في حال عدم وفرته، والمشكلة أنه لا يستطيع أن يفرح بالأمور العادية. كذلك لا يشعر بالراحة في أيام العطل من ينوء تحت الديون والإستحقاقات، فهو قلق بشكل دائم بهذا الخصوص.

ويكتئب في أيام العطل من لا يضع حدا منطقيا وموضوعيا لتوقعاته المبالغ فيها، فهو ينتظر من الشريك أو الأصدقاء وحتى الأقارب أن يبادروا بما لا إمكانية لديهم لتحقيقه، فيصاب بخيبة أمل كبيرة عندما يحين وقت الحقيقة، كمثال امرأة يتقاضى زوجها ما لا يكفي للمصاريف الضرورية للعائلة إلا أنها تتوقع أن يدعوها في كل المناسبات إلى المقاهي والمطاعم الفخمة، وهو لا قدرة لديه على ذلك، فتكتئب في العطل والمناسبات لعدم تحقيق رغباتها.

ويكتئب من لا يستطيع أن يرتاح في العطل، الذي عليه أن يعمل كل أيام الشهر بسبب حاجته الملحة للمال الذي يتقاضاه، أو بسبب تدني معاشه الشهري ما يدفعه للقيام بوظيفة أخرى في وقت الراحة، كما يحصل مع سالم الذي يكفيه وقت الراحة اليومي للنوم أربع ساعات في الأربع والعشرين ساعة “أبي يحتاج للدواء، ويساوي ثمنه معاشي من الوظيفة الأولى كاملا، وأنا لا أستطيع أن أتركه بدون دواء ما دمت حيا”.

نتائج وانعكاسات اكتئاب العطل:

يؤدي اكتئاب العطل والفرص إلى نتائج أقل ما يقال فيها سلبية إذ قد تصل بمن يعاني منها إلى درجة الإنتحار. يفقد المصاب باكتئاب العطل الرغبة في التسلية والمرح ومشاركة الآخرين بالمناسبات الإجتماعية فنراه ينعزل شيئا فشيئا، أو قد يميل للإنفعال السلبي والعدوانية. كما يميل هؤلاء الأشخاص إلى التفكير السلبي بالأمور والمحيطين، ويفقدون الأمل والطموح في المستقبل. بسبب تفكيره السلبي يتعرض المصاب بالإكتئاب لمشاكل علائقية في العائلة والمدرسة والجامعة والعمل، وقد يصل فيه الأمر إلى تجنب ممارسة الواجبات اليومية الضرورية، فيلزم غرفته لعدة أيام.

قد يحاول الشخص المكتئب الهروب من مشاعره فيدمن التدخين، الكحول، المواد المخدرة. كما يلجأ إلى الإدمان السلوكي كالمقامرة والشراء وغير ذلك. وغالبا ما ينعكس الضغط النفسي والتعب والإكتئاب إلى أمراض جسدية كالصداع وارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض الشرايين، بالإضافة إلى أوجاع تصيب كافة الأعضاء كآلام المعدة واليدين والقدمين والأكتاف…

العلاج

تعتبر القدرة على تقبل الواقع المعاش والسعي إلى إيجاد حل للمشاكل والصعوبات الطريق الأسهل لتجنب الإكتئاب، وهنا لا بد من التنويه بأهمية التفكير الإيجابي للفرد وعدم الإستسلام وذلك من خلال القدرة على البدء من جديد بعد الخسارة. كذلك يلعب سلم التوقعات دورا أساسيا في الوصول إلى مرحلة الإكتئاب، إذ لا بد أن تكون توقعاتي من الآخر قريبة منطقيا من إمكانية التحقيق على أرض الواقع.

هذا بالإضافة إلى محاولة عيش اللحظة الحالية أي عدم الغوص الدائم في تجارب الماضي، والغرق في القلق والخوف من المستقبل؛ والتمتع باللحظة يحتاج إلى علاقات إجتماعية طيبة والبحث عن الهوايات والنشاطات التي يرغب فيها الفرد، بالإضافة إلى النشاطات الرياضية والرقص وسماع الموسيقى.

وللحب دور هام وأساسي في الإبتعاد عن اكتئاب العطل، إذ أنه يرفع لدينا مستوى هورمون الفرح والسعادة، وهنا نركز على الحبيب والأبناء والعائلة. كما أن اقتناء الحيوانات الأليفة كالكلب والهر يساعد على تخطي الظروف الصعبة ومشاعر الإحباط والضغط النفسي.

كما للمسامحة تأثير في التخلص من اكتئاب العطل، وهنا نتطرق إلى مسامحة الغير بغض النظر إن كان يستحقها أو لا، بل لأننا نحن أنفسنا نستحق العيش بسلام داخلي. أما مسامحة النفس على أخطاء ارتكبناها بمعرفة أو بدون معرفة فتساعدنا على فتح آفاق جديدة عبر التخلص من الشعور بالذنب المدمر.

بعض الخطوات العملية للتخلص من اكتئاب العطلة:

– التواجد في أماكن مضاءة وتسيطر عليها مظاهر الراحة كالورود والموسيقى.
– إعطاء الجسم حقه بالراحة.
– سماع الموسيقى كلما سمحت الظروف.
– عدم الإنشغال بما يخص العمل.
– الإبتعاد عن الأشخاص السلبيين.
– وضع برنامج للعطلة بما يتناسب مع رغباتك وعدم المسايرة بالموضوع وقبول الذهاب إلى مكان لإرضاء قريب أو صديق.

يرتبط مستوى الرضا لدى الإنسان بقدرته على استيعاب الصعوبات والعراقيل في الحياة اليومية وقدرته على التعاطي معها بمرونة فيغلبها بدل أن تغلبه.

قد يعجبك ايضا