بقلم : د. ثناء الحلوة – لبنان
عندما نتكلم عن اليوم العالمي للتسامح، ندرك اننا في اعماقنا نسعى الى عالم اكثر سلاماً، عالم تنتصر فيه القيم الإنسانية، وتسوده العدالة الاجتماعية، ويعّم فيه الامن والأمان والاطمئنان، خاصة مع كل ما يجري حاليا في عالمنا المعاصر من سلوكيات وأعمال تنتهك فيها قيم التسامح بما يتنافى مع القيم الإنسانية عموماً.
ما بين الماضي والحاضر، كثير من الأمور تبدّلت، وعلى الكثير من المستويات، فالتّطوّر والتّغيّر من أهم سمات العصر، والتّكنولوجيا سمحت لكلّ الناس بأن يخطوا خطوات مختلفة في حياتهم؛ وكلّما اتسعت قنوات التّواصل بين الأفراد في العالم وزادت الفرص والخيارات المتاحة لهم، كلّما بتنا معرّضين لمخاطر أكثر وتحديات أكبر؛ وتكاد تكون الروح التنافسية الشرسة في عالم اليوم وكأنها الأداة الأساس في نبذ السلام والتسامح. ومن يتابع نشرات الاخبار اليوم وكل يوم، يدرك كم اننا بحاجة الى المزيد من الاستثمار في قيمة التسامح، من أجل الوصول الى عالم أكثر سلاما.
بمناسبة العيد الخمسين لليونسكو في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، اعتمدت الدول الأعضاء في المنظمة إعلان مبادئ بشأن مفهوم التسامح، والتي تؤكد ان التسامح لا يعني التساهل أو عدم الاكتراث بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني في ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان. فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية وبالحريات الأساسية للآخرين. وبما أن الناس متنوعون بطبيعتهم، وحده التسامح قادر على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة والمختلفة في كل منطقة من العالم، وهو أيضا الذي يضمن قبول الاخر المختلف سواء كفرد أو كجماعة، والاعتراف بحقوقه، وعدم اللجوء الى أي محاولة اقصاء.
يحدد الإعلان مسألة التسامح ليس فقط كواجب أخلاقي، ولكن أيضا كشرط سياسي وقانوني للأفراد والجماعات والدول. كما أنه يربط قضية التسامح في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي وضعت على مدى السنوات الخمسين الماضية، والتي تؤكد على أهمية قيام الدول بصياغة تشريعات جديدة عند الضرورة لضمان المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص لجميع الفئات والأفراد في المجتمع.
قد يكون التسامح خيارًا صعبًا، لكنه يجعلنا ننعم بحياة هادئة يسود فيها السلام والأمان؛ وإذا كانت العائلة هي النواة الأولى للمجتمع المحلي، فإننا لا نستطيع اليوم إلا أن نعترف بأن العالم كله قد أصبح قرية كونية واحدة، وما يحصل في أي مجتمع من المجتمعات في أي مكان من العالم يصل إلينا أولا بأول، ويؤثر على مجتمعاتنا وعائلاتنا وأطفالنا، ويلعب الدور الأكبر في اغفال مفهوم التسامح أو تعزيزه.
في هذا الاطار، لا يمكننا الا ان ننظر بعين الاحترام والتقدير لتجربة المجلس العالمي للتسامح برئاسة الدكتور أحمد بن محمد الجروان 2017؛ والتي تعمل جاهدة في حركة ونشاط يومي محلي واقليمي ودولي في سبيل إعلاء قيمة التسامح ونشر ثقافة السلام، ومكافحة التمييز والعنصرية والتعصب والتطرف الديني والعرقي والطائفي، وكذلك إنماء وتطوير قواعد القانون الدولي بما يعزز مبادئ التسامح لتحقيق السلام، سواء على الصعيد الدولي العام أو على الصعيد المحلي الخاص بكل دولة.
وهذه التجربة الغنية تتجلى بمقولة لمعالي الدكتور أحمد بن محمد الجروان رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام: “لو أردت قياس مناعة المجتمعات، عليك بقياس مدى انتشار قيم التسامح بين أبنائها، ولو أردت تعزيز هذه المناعة وتقويتها في أي مجتمع عليك ببذل مزيد من الجهد من أجل نشر قيم التسامح“…. “بكل تأكيد من الممكن أن تنعم البشرية بسلام حقيقي ومستدام، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعمال قوة القانون وليس قانون القوة، ومن خلال تغليب المصلحة الجماعية المشتركة للمجتمع الدولي على المصلحة الخاصة لكل دولة”.
وذلك هو جوهر التسامح
د. ثناء الحلوة – لبنان
16-11-2023