أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول إذ نتابع شرح الوصايا العشر، نصل اليوم إلى الكلمة السّابعة: “لا تسرق”. عندما نسمع هذه الوصيّة نفكِّر بالسّرقة واحترام ممتلكات الغير. لا توجد ثقافة تُشرِّع السّرقة واستغلال الخيور؛ إن الإدراك البشريّ في الواقع حسّاس جدًّا حول الدّفاع عن الممتلكات.
تابع قائلا “لكن من الجدير بنا أن ننفتح على قراءة أوسع لهذه الكلمة ونركِّز على موضوع الامتلاك في ضوء الحكمة المسيحيّة. تتحدّث العقيدة الاجتماعية للكنيسة عن الخيور المُعدّة للجميع؛ فماذا يعني هذا الأمر؟ لنصغي إلى ما يقوله التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: “في البدء أوكل الله الأرض ومواردها إلى إدارة مُشتركة تضطلع بها البشريّة، لتعتني بها وتسيطر عليها بعملها، وتنعم بثمارها. وخيرات الخليقة مُعدّة لكلِّ الجنس البشريّ” (عدد ٢٤٠٢) “وكون الخيور معدّة للجميع يبقى أمرًا أوّليًّا، وإن كان تعزيز الخير العام يقتضي احترام الملكيّة الخاصة، وحقّها وممارستها” (عدد ٢٤٠۳).
أضاف الحبر الأعظم لكن العناية لم تنظّم عالمًا “مُتجانسًا” بل هناك اختلافات وأوضاع مختلفة وثقافات مختلفة وهكذا يمكننا أن نعيش ونسدَّ حاجة بعضنا البعض لأنَّ العالم غنيّ بالموارد ليؤمِّن للجميع الخيور الأوّليّة. لكن وبالرغم من هذا يعيش كثيرون في فقرٍ مُخزٍ والموارد التي يتمُّ استعمالها بدون معايير تفسد وتتلف. لكنَّ العالم واحد والبشريّة واحدة! إنّ غنى العالم اليوم هو في أيدي الأقليّة، أما الفقر لا بل البؤس والألم هما للأكثريّة.
تابع البابا فرنسيس يقول إن كان هناك جوع على الأرض فليس بسبب غياب الطّعام! لا بل وبسبب متطلّبات السّوق يُصار أحيانًا إلى إتلافه ورميه. ما ينقص فعلاً هو تجارة حرّة وبعيدة النظر، تؤمِّن إنتاجًا ملائمًا ومخطّطًا شاملاً يؤمِّن توزيعًا عادلاً. يقول التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة أيضًا: “عندما يستعمل الإنسان هذه الخيور يجب ألا يرى في ما يملكه من الأشياء الخارجيّة بطريقة شرعيّة ملكًا خاصًّا وكأنّه له وحده، بل أن يرى فيه ما يشبه الملك المشترك: بمعنى أنّه يمكن أن يعود بالفائدة لا عليه وحسب وإنّما على الآخرين أيضًا” (عدد ٢٤٠٤). فلكي يكون الغنى صالحًا ينبغي عليه أن يتحلّى ببُعد اجتماعي.
أضاف الأب الأقدس يقول بهذا المنظار يظهر المعنى الإيجابيّ والواسع للوصيّة “لا تسرق”. “إنَّ ملكيّة خير ما تجعل من يحوزه مديرًا من قبل العناية الإلهيّة”. لا أحد هو المالك المطلق للخيور بل هو مدير لها. الملكيّة هي مسؤوليّة، قد يقول لي أحدكم: “ولكنني غنيٌّ في كلّ شيء…” نعم وهذه مسؤوليّتك. وكلّ خير يُنتزع من منطق عناية الله يُنتهك في معناه العميق. إنَّ ما أملكه فعلاً هو ما أعرف كيف أعطيه. هذا هو المقياس لأقيِّم كيف يمكنني إدارة الغنى الذي أملكه أكان بشكل جيّد أو سيّء؛
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول أيّها الإخوة والاخوات الأعزّاء، مرّة أخرى يُظهر لنا يسوع المسيح المعنى الكامل للكتاب المقدّس. “لا تسرق” يعني: أحبب بواسطة خيراتك، استفد من الوسائل التي تملكها لكي تحب بقدر استطاعتك. فتصبح عندها حياتك صالحة ويصبح الامتلاك عطيّة بالفعل؛ لأنَّ الحياة ليست لنمتلك وإنّما لنحب!