المجلس العالمي للتسامح والسلام

إيسلندا جنّة المساواة بين الرجل والمرأة… فما هو السرّ؟

إحتلّت ايسلندا المرتبة الأولى عالمياً في المساواة بين الجنسين للسنة التاسعة، وفق تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي. ومطلع العام بدأت تطبيق قانون جديد يجبر المؤسسات على المساواة في الرواتب بين النساء والرجال.

هذا القانون وإن كان الأول من نوعه في العالم، لكنه بديهي بالنسبة لثورارين آفارسون وهو رئيس مجلس إدارة الفرع الايسلندي لمخازن ايكيا الشهيرة.

قبل هذا القانون بخمس سنوات، كافح ثورارين ليس فقط للمساواة بين الجنسين وانما ايضاً للقضاء على جميع أنواع التمييز بين الناس وفق إنتماءاتهم العرقية والجنسية والعمرية وحتى إعاقاتهم.

ففي هذه المؤسسة، نصف العاملين هم نساء. إنهن يعملن في جميع أقسامها. وغالبية المراكز الادارية فيها بقيادة نساء.

سعادة العاملين سر نجاح المؤسسة

مديرة المبيعات بيرنيا ماغنيا تخبرنا تجبرتها مع ايكيا “بدأت العمل عام الفين وسبعة، نصفَ دوام، وكنت أتابعُ دراستي. هنا أملِك كلَّ الفُرص التي أحتاجها. لا فرق بين الرجال والنساء. لدينا الراتبُ نفسُه والجميعُ يُعامَلُ المعاملةَ نفسَها”.

بالنسبة لثورارين آفارسون، المساواةُ في الحظوظ هي ضمانةٌ للنجاح ويضيف “أعتقد انه، على المدى الطويل، يستحيلُ نجاحُ مؤسسةٍ دون أن يكون العاملون فيها سعداء. فإن كان نصفُهم غيرَ سعيد، من المستحيل أن يكونَ العملُ جيداً. العاملون السعداء، يُنتجون أكثر، ويبيعون أكثر، ويجعلون النهارَ أجمل للجميع”.

حملات توعية لردم الفجوة في الرواتب بين الجنسين

قبل سنوات، وضِمن حملةٍ للتوعية تدعو لتقليصِ الفارقِ في الاجور والتقدمِ في الرُتب بين المرأة والرجل، أُطِلَقَ فيديو يظهر الفجوة بين الرجل والمرأة بشكل غير مفهوم.

هذه المبادرةٌ قامت بها إحدى أهمِّ النقاباتِ العمالية في ايسلندا. راغنار ثور اينغولفسون هو رئيس هذه النقابة، الذي بدوره يُشدّد على أنّ تطبيقَ قانونِ المساواة بين الجنسين الجديد لا يجبْ إيقافُ النضال وإنما يجب الاستمرار به.

ويستطرد “لقد تجذَّر في ثقافتنا أن رواتبَ الرجال يجب أن تكون أعلى من رواتب النساء وإن كانوا في العمل نفسِه. لدينا قانونٌ يفرِض تساوي عدد النساء بالرجال في مجالس إدارات المؤسسات. لكن ما زلنا نعاني في إيجاد نساءٍ يوافقن على أن يُصبحن في مجالسِ إدارات المؤسسات والمعاهد. يجب الاستمرارُ في الكفاحِ دون توقف. وقد تبين لنا أن الفَجوة بين الجنسين تتسع من جديد حين نتوقف”.

تاريخ نضالي طويل

هذا النضالُ قديم، إحدى السيدات اللواتي شاركن به تدعى جيردور شتينثورسدوتير. لقد ساهمت في تنظيم ما سُمِّيَ “يومٌ بلا نساء”. كان ذلك في 24 من تشرين الأول/أكتوبر من عام 1975 في ذلك اليوم 90 في المئة من الايسلنديات توقفن عن أيِّ نشاطٍ وتظاهرن في جميع أنحاء البلاد للدفاع عن قضيتِهِن.

وهي تقلب في الصور، تعود لذاكرتها ذلك اليوم المصيري “النساء جئن من كل مكان، مثل الأنهُر… تجمّعن كمحيطٍ كبير وسْطَ الساحة. الامرُ كان مؤثراً جداً، كل تلك النساء تكاتفن. أعتقد ان هذا التحرُّكَ كان تأسيساً لما يحدث اليوم. لقد كانت هناك وِحدة”.

ذلك اليوم كرّر نفسَه مراتٍ عدة. عام 2016، الايسلنديات توقفن عن العمل عند الساعةِ الثانيةِ والنصف من بعد الظهر للتظاهر والتنديد باستمرارِ الفجوة بالأجور بين النساء والرجال بنسبة 16 في المئة.

صغر البلد هو سرّ المساواة بين الجنسين

نضال النساء الايسلنديات هو إرث عمره قارب قرناً من خلال الحرّكات التحرّرية النسائية وتواجدهن في سوق العمل. وهذا ما قالته لنا ثورجيردور اينارسدوتير وهي أستاذة جامعية متخصّصة في دراسات الجنسانية أو الجندرة.

وتعتبر اينارسدوتير انّ “صِغَرَ البلد ساهم في انجاح التحرّك بطريقة ما. لأنّ صِغَرَ البلدِ يساعد في اقامةِ علاقاتٍ وثيقة وشبكاتِ للتواصل. كما أنّ المعلوماتِ تتدفق بسهولةٍ وسرعة. وهكذا يمكن للنساء التحرُّك خلال وقت قصير”.

حركة نسائية سياسية ناشطة

هذا التحرك ساهم بظهورٍ قويٍّ للنساء في عالم السياسية: عام 1980، جمهوريةُ ايسلندا كانت أولَ بلد في العالم ينتخب امرأةً لرئاسته. – عام 2009، في خِضَمِّ الأزمة المالية التي أسقطت الحكومة، وصلت إمرأةٌ لرئاسة الوزراء للمرة الاولى بتارخ ايسلندا. – في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2017، كاترين جاكوبسدوتير، إحدى قادة حزب اليسار الاخضر، تولت مقاليد السلطة التنفيذية. وذلك بعد الاطاحة بالحكومة السابقة بسبب فضيحةٌ حول علاقات جنسية مع أطفال. – وفي الفترة نفسِها، نسبة النساء في البرلمان ارتفعت بنسبة عشرة في المئة (من 38% الى 48%).

المساواة تبدأ في المنزل

في ايسلندا، المساواةُ يستفيد الرجالُ منها أيضاً، كما هو حال يالمار أور جوهانسون. ويتحدث يالمار شارحاً عن أنه “أعمل في مؤسسة عائلية لكن اليوم، أكرِّس وقتي للكوميديا. وأنا في إجازة أبوّة مدة 6 أشهر تقريباً. بعدها سآخذ عطلة، وهكذا أَمضي ثمانية أشهر مع ابني، الامر غير ممكن سوى في ايسلندا”.

في ايسلندا، يحُق للوالدين إجازة أمومة وإجازة أبوَّة. مدةُ كلِّ منها ثلاثةُ أشهر، إضافةً الى إجازةٍ اخرى مدتُها ثلاثةُ أشهر يتشارك فيها الوالدان.

يالمار سيهتم طيلة الوقت بصغيره ذي الثمانية أشهر. أما زوجته يوسبرا هي مديرة أحدِ المصارف الايسلندية الكبيرة، ستعود للعمل.

بالنسبة ليلمار فإن الاهتمام بصغيره أمر ضروري له “حين يبدأ الصغيرُ بالنمو، ويكتشف ما يحيط به ويتعلم، فمن الجيّد بالنسبة اليّ التواصلُ معه”.

بدورها تقول يوسبرا “كنت في إجازة أمومة، وكنت أهتم بكل شيء. الآن علي أن أترك المنزل وأسلمه المَهمة! بالنسبة إلي، إمكانيةُ العودة الى العمل أمرٌ هامُ جداً، وكذلك المحافظةُ على العمل والحصولُ على راتبٍ مرتفعٍ كراتب الرجال. لكن أيضاً، يجب الحصولُ على الحقوقِ نفسِها في كل المجالات. ولا يتعلق الامر فقط بالمساواة في الرواتب. إذ يجب ان يبقى كلانا في المنزل وهذا طبيعي”.

طبيعي، ربما، لكنْ 60 في المئة من الحالات، تتكفل النساءُ بالمهام الأساسية خلال أشهر الاجازة التسعة. السبب عمليةٌ حسابية، خلال الاجازة، الراتب يتقلص بنسبة 20 في المئة، وتتجنب العائلات خسارة راتب الرجل الذي هو أعلى من راتب المرأة.

المساواة تُعلّمُ في المدارس

قبل 10 سنوات، المدرِّسة هانّا بيورغ فيليالمسدوتير كانت أولَ من وضع كتاباً مدرسياً مخصّصاً للمساواة. هذه المادة هي إجبارية وقد أدخلت الى سبع وعشرين ثانوية من أصل ثلاث وثلاثين ثانوية في البلاد.

وعن الهدف الرئيسي لهذا المنهج الدراسي الجديد فتقول هانا “سوياً نحلل المجتمع، ونحاول التعرف على أسبابِ التمييز بين الجنسيين وكيف يُمارس. هدفي الأول هو أن يُدركوا الحقيقة. لأن بعضَهم غيرُ مهتمٍ بالأمر. يعتقدون أن الامرَ طبيعي. وقد أدركت أن ذلك اعطاهم قوةً وساعدهم على التخلص من القوالب النمطية. لكنَّ الهدفَ الاخير هو أن يكونوا أكثر سعادة. أن يكونوا شعباً سعيداً. فالشعبُ السعيد يؤسس لمجتمع جيد”.

لقد تطرّق التلاميذ الى أحد المواضيع الحساسة وهو رُهاب المثلية، بعد أن تعرض أحد التلاميذ للضرب وسط الشارع موضوع هذا النهار، هو رُهاب المثلية. أحدُ التلاميذ تعرض للضرب وسط الشارع…

هنا، التمييز بكل أشكاله يُنتقد بلا روادِع. فهذا هدفٌ أمكنَ تحقيقُه كما يؤكد التلميذ ارنثور سيغوردسون “إنه أمرٌ اكثرَ أهميةً من الكثير من المواضيعِ التي نتعلمها في المدرسة… على سبيل المثال علومُ الأحياء، أو علومُ أحياءِ النباتات… إنها مواضيع لا تفيدُنا بشيء. لكنّ الدراسات الجنسانية نحتاجها لأننا نتعامل بها يومياً ومع أناس في شتّى الظروف”.

هانّا تعتقد أنه “لن تكون هناك مساواةٌ في أيِّ مجتمعٍ من المجتمعات إن لم يساهمْ النظامُ المدرسي بتكريسِها. هنا تكوَّنُ الافكار. وتُزرَعُ البذور”.

زراعة بذور المساواة والتكافؤ

زراعة بذور المساواة والتكافؤ تكون في سن مبكرة، وهذا ما سعت اليه مارغريت بالا اولافسدوتير منذ ثلاثين عاماً. لقد أوجدت اسلوباً أسمتهُ غهيادلي ، وطبَّقته على ما يقارب عشرين مدرسة ابتدائية وحضانة. المبدأ يقوم على فصل الفتيان عن الفتيات للسماح لتنمية شخصية كل منهم ويكون سعيداً. وبالنسبة للنشاطات فهي واحدة للجميع. الألعاب، والأدوات التربوية، والثياب جميعها موحدة للجنسين. لكن مرة واحدة في اليوم، الصبيان والفتيات يلتقون لتطبيق ما تعلموه.

منهجية وفق المربية مارغريت، تساعدهم على التخلص من السلوكيات النمطية التي لا مفر منها في الصفوف المختلطة بين الجنسين. وما تريده من هذه المنهجية هو “أن تخرج الفتيات من منطقة الأمان الخاصة بهن. نريد تعليمَهن الصخب والضوضاء، نريد تعليمَهن الصراخَ والقفز والتحرك في المكان… وأن يفرضن أصواتهن”.

وتضيف “نريد للفتيات أن يتحلين بالقوة على الصعيدين الفردي والاجتماعي. ومع الفتيان، نريد أن يصبحوا مؤهلين اجتماعياً بشكل أكبر”.

هذا الشكل التربوي يساعد الاولاد الصغار على أن “يصبحوا أفراداً جيدين بلا سلوكيات نمطية خاصة بالفتيات والفتيان، وأن يتمتعوا جميعاً بمزايا فردية واجتماعية. وهذا ما نريده. من أجل أن يرى كل منهم نفسه كإنسان متكامل”.

“فتيات ريكيافيك” نموذج فني للتساوي مع الرجال

تواجد إنساني متكامل هذا ما تطالب فيه فرقة “ريكيافيكورداوتور” أو “بنات ريكيافيك” التي فرضت نفسها تدريجياً في عالم ذكوري. فكان لعدد من تلك الفنان آراء حول المساواة وأسباب انتمائها لهذه الفرقة:

إحداهن تدعى سيتنون جوندوتير تقول “ما قمنا به هو ايجاد مساحة لنا على الساحة الموسيقية. نوع من الموسيقى لا مكان للمرأة فيه”.

وتضيف اخرى تدعى سولفيغ بالسدوتير “نقوم بما نريده تماماً على المسرح ولا حاجة للاعتذار (…) اعتقد ان نظرية المساواة اليوم، لا تتعلق فقط بإيجاد مساحة، ولكن ايضاً بعدم الخوف من اكتشاف كل الاوجه التي تشكل المرأة … ليس فقط الوجه الجميل او المثير جنسياً، وانما اكتشاف قوس القزح بكامله… لأننا نعيش في مجتمع منظم يشد بنا نحو الاسفل… هذه هي الحقيقة”.

أحياناً تنخرط “بنات ريكيافيك” في حملة توعية للأمم المتحدة من أجل إيقاف العنف ضد المرأة. لكن ذلك ليس نشاطهم الوحيد.

فمن بينهن مثل راغا هولم لا يجمعها بالفرقة سوى “الحفلات وغناء الراب” وليست نظرية المساواة. ومنهن من يعتبرن التواجد مع الفرقة والقيام بما تريد القيام به هو أمر نسوي يعبر عن المساواة مع الرجل.

قد يعجبك ايضا