“إنّني لربّما أختلف معك في كلّ كلمة تقولها لكنني سأدافع حتى الموت عن حقّك في أن تقول ما تريد”، قالها فولتير ونَسِيَ…
نَسِيَ أنّ الحريّة عند البعض مُحرّمة كونها تتعدّى الحدود اللازمة المُتاحة لها… نَسِيَ أنّ الحريّة عند البعض جريمة تمتدّ وتمتدّ كوباءٍ من دون سيطرة… نَسِيَ أنّ الحريّة عند البعض بحدّ ذاتها، تمثّل الفلتان الأمنيّ والإجتماعي والثقافيّ… نَسِيَ أننا نعيش بزمن لا يُقدِّر أيّ نوعٍ من الحريّات… فكيف إذا كنّا نتكلّم اليوم عن حريّة الصحافة؟
حريّةُ الصحافة التي إختارت اليونسكو الثالث من أيار/ مايو يوماً عالمياً لها عبر اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي خلال اجتماع للصحفيّين الأفارقة في ناميبيا في العام 1991، كثرت الآراء عنها لكنها تبقى هي هي، الضمانة التي تقدّمها الحكومة لحريّة التعبير وغالباَ ما تكون مكفولة من قبل دستور البلاد، الدرع الواقي لكلّ الحقوق السياسية والمدنية، الملجأ الأوّل والأخير لمن خفضت أو أُخفضت أصواتهم!
مقالتي إذاً تُشبه حريّتي، فعند مانديلا الحريّة “ليست وضعاً، بقدر ما هي موقف وإيمان”… لذلك، لن أروي لكم عن الشهداء الذين بذلوا أنفسهم من أجل الصحافة على أنواعها، لا ولن أذكّركم بأفظع الأوضاع التي مرّت عليهم… لكنّني وبكلّ بساطةٍ، أريد أن أُنوِّه بالعمل الصحفي الذي يتمتّع بأهميّةٍ لا تقلّ أهميّةً عن أسمى الأعمال الإنسانيّة بمواقفه وإيمانه.
من هنا، فلا شكّ بأنّ السلطة الرابعة بِيَقَظتها لها دورها الهامّ في تعميم المعرفة والتنوير كما تشكيل الرأي العام تُجاه معظم القضايا، إذ أثبتت عبر الأزمان أنها تملك قوّة تأثير على الشعوب، أضعاف القوّة التي تملكها الحكومات والتنظيمات… أوليس “ثمن الحريّة هو اليقظة الدائمة”؟
قوّة تأثير بصوتها الحرّ وبقول الحقيقة وبإيصال الرسالة مهما كانت صعوبتها… قوّة تأثير بالرغم من تصريح منظمّة “مراسلون بلا حدود” حول “نسبة التراجع الكبيرة في حريّة الصحافة في مختلف دول العالم وأجواء من الكراهية والعداء ضدّ الصحافيين ما يشكّل تهديداً للديمقراطيات”. قوّة تأثير خصوصاً أنّ تقرير الأمم المتحدة ينصّ على أنّ”الإعلام الحرّ والمتعدِّد يُعدّ أساسياً لمجتمعات صحيّة نابضة بالحياة”. قوّة تأثير أيضاً وأيضاً بعيداً عن تحذير الإتحاد الأوروبي، من أنّ “حريّة الصحافة والتعبير باتت مهدّدة في مختلف أنحاء العالم”.
مقالتي اليوم تُشبه حريّتي، فليست قوّة الصحافي في توجيه الأسئلة، بل قوّته تكمن في المطالبة بالأجوبة… لذلك بربّكم، أنقذوا ما تبقّى من “ماء الوجه” قبل فوات الأوان…