المجلس العالمي للتسامح والسلام

كيف نحمي أولادنا من الآثار السلبية للطلاق؟

بقلم سيسيليا ضومط

سيسيليا ضومط

بين ليلة وضحاها وجدت ريبيكا إبنة التسع سنوات نفسها تعيش مع أمها في بيت جدها (لأمها)، تاركة وراءها غرفتها بما فيها، سريرها، ألعابها، وحتى ثيابها. لا تعرف تلك الفتاة الصغيرة سوى أنها اشتاقت لوالدها الذي كان يلعب معها كل ليلة بعد عودته من العمل؛ كما أنه كان يوصلها بنفسه إلى المدرسة صباحا؛ وما يزيد الأمر تعقيدا هو صراخ والدتها وعصبيتها كلما سألتها عنه، لا بل السباب والإتهامات بحقه. ريبيكا اليوم في المستشفى، فقد امتنعت عن تناول وجبات الطعام يوما بعد يوم، كما أصيبت بآلام شديدة في المعدة والرأس، والسبب طلاق والديها.

كيف نحمي أولادنا من الآثار السلبية للطلاق؟ هل نخفي الأمر عليهم؟ هل نخبرهم بما يدور بيننا؟ هل يؤدي سوء التعاطي مع الأطفال في موضوع الطلاق إلى معاناة جسدية ونفسية؟

في أحيان باتت ليست بقليلة، يصل الزواج السعيد إلى طريق مسدود، ينتهي الغزل والحب والهيام، فتنحدر العلاقة شيئا فشيئا، وها هما عريسا الأمس ينفصلان؛ لكن حالة ما قبل الزواج لن تعود بعد الإنفصال بالرغم من الطلاق الشرعي، فالزواج وصمة أبدية على جبين من عاشه ولو ليوم واحد؛ حتى على صعيد التسمية، لن تنعم بصفة عازب بعد الزواج، فأنت إما مطلق وإما منفصل أو أرمل، لكنك لن تكون عازبا.

إنطلاقا مما سبق، نسهل طريق إنجاح الطلاق لمن رزقوا “بثمرات حب”، في حينها؛ فإذا كان لا بد من الإنفصال، لنسعى للتخفيف من الأضرار على الشريكين والمحيطين بهما وبشكل خاص الأبناء.

سوف يحتاج الطفل بعد انفصال الأبوين لمرحلة يتموضع فيها كي يتمكن من تقبل التغيير الحاصل، بالإضافة إلى شعوره بأنه ترك ممن غاب عن المنزل، كما وأنه قد يشعر بأنه السبب في الخلاف الحاصل ما قد يولد الشعور بالذنب لديه، وبأنه لا يستحق الحب، كما قد ينتابه الخوف من أن يترك من جديد.

عندما تبدأ المشاكل والصراعات بين الزوجين، يظنان بأنهما يخفيانها عن الأطفال، إلا أن أبناءهما يشعرون بالتباعد وغياب الإنسجام. أما حماية كل طفل وطفلة من مؤثرات الحياة السلبية التي قد تكون الطلاق تبدأ من تنمية الإستقلالية والثقة بالنفس لديه ليتحلى بالمرونة أي سهولة في تقبل الأحداث الطارئة في الحياة، والإيجابية في التعاطي.

كي يتمكن الطفل من تقبل انفصال الوالدين، سوف نقدم لكم بعض النصائح عن كيفية التعاطي مع الوضع الجديد:
– يجب أن تتعاونا كأب وأم وتتفقا على طريقة إخبار الطفل بقراركما جتى لو كنتما مختلفين. أعلما الطفل مسبقا بأنكما سوف تنفصلان، وأكدا له بأنكما سوف تستمران في حبه وبأنه ليس السبب في الإنفصال.
– حافظا على الروتين اليومي في حياة الطفل، إذا أمكن، كالبيت والمدرسة وطرق المواصلات، بالإضافة إلى النشاطات الترفيهية والرياضية، والتواصل مع عائلة الأب والأم، لأن ذلك سوف يساهم في إشعاره بالإستقرار والأمان.
– لا تلتهيا بمعاملات الطلاق وجلسات المحاكم وتهملا الطفل.
– لا تتطرقا للشريك السابق بالسوء، إن من حيث ذكر الأخطاء التي قام بها أو التهديد والوعيد بحقه في حضور الطفل.
– لاتصفيا الحسابات أمام الطفل.
– لا تستخدما الطفل لمعرفة تحركات الشريك ووضعه وتصرفاته.
– لا تتصارعا على حضانة الطفل ورؤيته ما يجعله يفقد الشعور بالهدوء والإستقرار والأمان.
– لا تتشاركا مع الطفل الأسباب السلبية للطلاق.
– لا تعوضا عليه فقدان وجودكما بالمال.
– طمئنا الطفل بأن الطلاق لن يؤثر على حبكما له وبأنكما موجودين دائما عندما يحتاجكما.
– تواجدا معه في المناسبات الخاصة والأعياد خاصة تلك التي تتعلق بالطفل والمدرسة.

كيف يتفاعل الطفل مع انفصال الأبوين؟
يرهق الطلاق جميع أفراد الأسرة، إذ عليهم إعادة هندسة الشكل من جديد، إلا أن فهم الطفل للواقع الجديد والوعي الكافي له يخففان من الصدمة النفسية والعاطفية التي قد يصاب بها. لا بد أن يصاب الطفل بالحزن والأسى، لكن علينا أن نحميه من الوصول إلى درجة الغضب، القلق والإنغلاق على الذات والإكتئاب، ما قد يدفعه للتصرف كأنه أصغر سنا، فيتبول في فراشه ليلا، وتصبح ردات فعله عدوانية وعصبية؛ من الضروري السماح له وتشجيعه على التعبير عن نفسه بالكلام والإصغاء له، كما تشجيعه على اللعب والرسم والغناء والرقص. كما قد يشعر الطفل بأنه السبب في انفصال والديه فيبدأ بتقديم التنازلات، ويعتقد بأن الوضع الجديد طرأ بسبب عدم ترتيب أغراضه أو لأنه لم يكن مطيعا في أمر ما، لذلك من الضروري التأكيد له بأنه ليس السبب. قد يصدم الطفل ويشعر بالغربة بعد انفصال الأهل، لذلك أعطياه أمثلة عن طلاق حدث في المجتمع القريب حيث أن الطفل الذي يعرفه يعيش سعيدا ومرتاحا. يعتبرالصداع النصفي للأبناء من لأعراض الجسدية التي تنتج عن طلاق الأبوين، كذلك قد يعاني الأطفال من اضطرابات في النوم والشهية، فيصابون بالبدانة أو الإنخفاض الشديد بالوزن.

على الأبوين المشرفين على الطلاق التوجه للإختصاصيين النفسيين لمساعدتهما على تخطي المرحلة بحد أدنى من الخسائر، كما قد يساهم ذلك في التوافق من جديد. كما يحتاج أطفال الأزواج المقبلين على الطلاق للمتابعة النفسية كي يتمكنوا من عبور المرحلة بحالة نفسية وجسدية أفضل.

قد يعجبك ايضا