المجلس العالمي للتسامح والسلام

قلقُ الإنفصال عند الأم!

د. أنطوان الشرتوني

د. أنطوان الشرتوني

يتميّز الطفل فى الشهور الاولى من عمره بقلقه من الغرباء والانفصال عن أمّه، إلى جانب الخوف من التواجد في الاماكن الغريبة عنه.

من هنا، أكدت الدراسات النفسيّة الحديثة أنّ هذه المخاوف طبيعيّة وسرعان ما تتلاشى تماماً عند نهاية السنة الثالثة من العمر. ولكن بعض الأحيان، قلق الإنفصال لا يختفي بسهولة بل يظهر ليس فقط عند الطفل بل عند الأم أيضاً.

إضطراب قلق الإنفصال…

كلّ إنسان يخاف من الإنفصال. فعندما يحدث ذلك ينتاب الشخص قلقاً يمكن أن يصل إلى درجة الهلع والخوف الشديد والشعور بالفراغ بسبب “الغياب” الموقت أو الغياب الدائم. ويجب معرفته بانّه نوع من الإضطراب، ونرى عادةً هذا النوع من القلق، عند الأطفال ما بين السنة والنصف والثلاث / أربع سنوات، حيث يظهر الطفل سلوك تعلّقي، لا يمكّنه من الإبتعاد عن والديه خصوصاً عن أمّه ويبقى ملتصقاً بها طول الوقت.

وكما عند الطفل، نجد هذا النوع من القلق عند الام، خصوصاً عند الأمهات التي تتميزنّ بشخصيّة قلقة وحذرة. يبدأ اضطراب قلق انفصال الأم عن الطفل في سنّ ما قبل المدرسة الابتدائية خصوصاً عند دخول الاطفال إلى الحضانة أو السنة الاولى للمدرسة، ويستمر هذا القلق الى الصف الثالث او الرابع الابتدائي، ويمكن ان يظلّ الى نهاية المرحلة الابتدائية.
في هذه المرحلة، نجد بأنّ السيدات اللواتي يعانينّ من قلق الإنفصال عن أطفالهنّ، تشتكينّ من عوارض نفسيّة منها البكاء والقلق والخوف والعصبيّة وطبعاً الكثير من العوارض الفيزيولوجية منها: دوخة، إغماء، الشعور بضربات القلب السريعة، الصداع، الغثيان، آلام المعدة…

لذلك، يجب ذكر بانّ قلق إنفصال الأم عن أطفالها، تتفاوت ما بين أمّ وأخرى. فنرى بعضهنّ يشعرنّ بأول أيام الإنفصال ببعض من القلق والخوف ويختفي هذا القلق بعد أسبوع. بينما، نجد بعض السيدات يعانينّ كثيراً من قلق الإنفصال وصولاً إلى منع أطفالهم للذهاب إلى المدرسة أو حتى اصطحابهم إلى المدرسة وانتظراهم حتى إنتهاء دوام المدرسة خائفات أن يتعرّض طفلهم لأيّ مكروه أو مشكلة. وطبعاً كلّ هذه الافكار ليست سوى خيالات تزيد من قلق الام.

قلق الإنفصال الأم عن أطفالها… حقيقة!

هناك أسباب كثيرة وعوامل تساعد من إظهار قلق الإنفصال عند الأمهات ويمكن تقسيمها إلى عدّة أقسام وهي:

1- العوامل النفسيّة والإجتماعية، التي تلعب دوراً بارزاً بظهور القلق عند الأم، خصوصاً عند اللواتي عِشن خبرات إنفصالية صعبة خلال حياتهنّ. فنرى بأن الأم التي عانت من إنفصال والديها (طلاق)، لا تتقبل بسهولة إنفصالها عن ولدها. كما يمكن أن نضيف بأن الأم التي عايشت موت قريب في عائلتها (خلال فترة طفولتها أو مراهقتها) يصعب عليها أيضاً التعايش مع إنفصالها مع طفلها عند إنتسابه إلى المدرسة.

2- عدم استقرار العلاقة في كنف البيت أو قبل زواجها. وطبعاً الحماية المُفرطة من الاهل إلى أطفالهم، تجعل من الأطفال بدورهم في المستقبل مفرطين أيضاً في إهتمامهم وخوفهم على أطفالهم.

3- عوامل جينية، التي تلعب دوراً في عملية قلق الإنفصال ولوحظ بأنّ هناك علاقة ما بين الإكتئاب وقلق الإنفصال عند الامهات (وأيضاً عوامل هورمونية).

كيف تتمّ معالجة هذا الوضع؟

هناك عدّة تمارين يمكن ممارستها للتخفيف من قلق الإنفصال منها:

أولاً، ممارسة الإنفصل أي ترك الطفل لوحده لبعض الوقت قبل ذهابه إلى المدرسة. بهذه الطريقة، تعتاد الام بأنّ لديها حياتها الخاصّة وليست فقط حياتها مرتبطة بالطفل.

ثانياً، ممارسة الرياضة وممارسة بعض النشاطات التي تقلل من الشعور بالخوف والعصبية بسبب الإنفصال.

ثالثاً، طلب المساعدة من جليسة في البيت للإنفصال عن الطفل تدريجياً. والتأكد بانّ كل شيء في المدرسة أمين وغير مؤذن من خلال زيارة بسيطة للصف والتأكد من الأغراض التي يستعملها الطفل لا تؤذي بشيء.

وأخيراً، الإسراع من طقوس “إلى اللقاء” ويعني ذلك، عدم البقاء أكثر من دقيقة واحدة عند الوصول إلى المدرسة وتوديع الطفل بشكل سريع.

كما التحدث عن المشكلة مع الزوج أو مع اخصائي نفسي، وطبعاً إذا لم تستطع الام مساعدة نفسها، هناك العديد من العلاجات النفسية والإرشاد النفسي الذي يمكن مساعدتها على تخطّي قلقها المفرط وخوفها على طفلها ومن أبرزها: العلاج النفسي التقليدي أوالعلاج التحليلي، الذي يساعد على تقوية “الأنا” والتحدّث عن المشاكل النفسية الماضية التي واجهتها الام خلال طفولتها. العلاج السلوكي الذي يساعد أيضاً من تخفيف وطأة القلق من خلال تمارين نفسية، وطبعاً العلاج الأسري الذي يشجّع الزوج والزوجة على التكلم عن مشكلتهم.

قد يعجبك ايضا