رائد شاب في أواخر سنيه العشرين، جالسته فلفتتني قلة حماسته وتفاعله مع الأمور؛ كأنه سلب ما يتمتع به شباب جيله من حيوية ونشاط. كانوا حوالي العشرة رفاق، يتحدثون عن المستقبل، يغمرهم الطموح، ولا عجب في ذلك، إنما الغرابة تظهر في طريقة تفاعل رائد، الذي يفتقد إلى الفرح والمرح. ثم سمعت أحد الحاضرين يهمس له:”عليك أن تنسى ما حدث وتبدأ من جديد، أعط نفسك فرصة أخرى”؛ فأجابه رائد:”ومن قال لك بأنني لن أفشل ثانية”؟
أسس الشاب العشريني منذ ثلاث سنوات شركة للإستثمار ووضع فيها تعويض والده الذي ادخره لسنوات، إلا أن محاولته لم تنجح بالرغم من أنه بذل كل ما بوسعه لذلك. ومنذ ذلك الحين وهو يعيش بين الشعور بالذنب على الفشل الذي مني به، أي الندم على المحاولة السابقة من جهة، والخوف من الإقدام والمحاولة من جديد خوفا من تكرار ذلك من جهة ثانية. إنه عالق بين الماضي والمستقبل، وفاقد لفرح وانتعاش اللحظة، أي الحاضر.
ما يحدث مع رائد يعاني منه الكثير من الأشخاص ليس فقط على مستوى العمل، بل كذلك على صعيد الدراسة وفي حالات فشل العلاقات العاطفية كالحب والخطوبة والزواج، أو إجتماعيا عندما نتعرض مثلا للغدر والخيانة من صديق أو رفيق كنا قد عولنا عليه الآمال ووضعنا كامل ثقتنا به، إلا أنه صدمنا وأصابنا بخيبة أمل.
ما الذي يدفعنا لعيش هذه الحالة؟ وكيف نعالج أنفسنا منها؟ وهل من الممكن استعادة الثقة بالمستقبل والحاضر والسير إلى الأمام؟
بعد التعرض لفشل وخيبة قد يتعرض الفرد للقلق النفسي نتيجة التفكير المتكرر بالتجربة التي مر بها، ما يؤدي إلى الخوف من تكرار ذلك في المستقبل. إلا أنه لا غنى عن الخسارة في الحياة ومن المهم الإنتباه والوعي لوقع عدم النجاح على حياتنا اليومية، والقلق النفسي الدائم الذي يورثنا إياه، ما يفقدنا المتعة والفرح في الحاضر.
عندما نتجنب المحاولة خوفا من الخطأ يتجمد الإنجاز لدينا، فلا نتجرأ على الإقدام، بناء على ذلك سنعرض بعض النصائح التي تساعدنا على تخطي الشعور بالفشل وعيش الحاضر متصالحين مع ذواتنا وحاضرنا:
– الخطوة الأولى هي الوعي لما نعيشه، أي أن نلاحظ بأننا تحت تأثير الشعور بالذنب بسبب فشل سابق، وقلق نفسي وخوف من المستقبل، ما أغرق حاضرنا في بحر من التوتر والضغوطات النفسية.
– أن نتأكد بأنه لا إمكانية للعودة إلى الوراء وبالتالي لا قدرة لدينا على تغيير ما قد تم، ويسبب لنا العواطف والإنفعالات السلبية اليوم.
– المصالحة مع الأحداث الماضية والأشخاص في حال وجودهم في الواقع الحالي الذي يختلف بتوقيته والظروف المحيطة به عن الماضي.
– بذل الجهود الكافية لاعتماد التفكير والتحليل الإيجابي للأحداث.
– اعتماد الموضوعية في الحكم على الوقائع وتقييمها، وعدم إقحام المشاعر والأحاسيس في الأحداث.
– عدم جلد الذات ونكران كل نجاحاتنا السابقة بسبب خطأ أو فشل معين.
هل يفيدنا العيش في الخيبات الماضية؟
إن شعورنا بالضعف الدائم جراء خسارة سابقة مهما كبر حجمها، يمنعنا من ملاحظة وجود الخيارات الجديدة بسبب النظرة السلبية في رؤية الأمور؛ كما أن اجترار الفشل بشكل دائم يؤدي بنا إلى الحزن، الميل إلى العزلة، الإكتئاب والخوف، وبعدها إلى أعراض صحية كارتفاع ضغط الدم، ما يؤثر مباشرة على صحة الشرايين والقلب، بالإضافة إلى اضطرابات في الشهية والنوم. أما على صعيد الحياة اليومية فيؤدي عيشنا في التجارب السابقة الغير ناجحة إلى شحوب في الوجه، عدم الإبتسام، إهمال المظهر الخارجي، عدم الرغبة بالتسلية وتجنب الأشخاص المحيطين ما ينعكس مشاكلا علائقية مع الغير.
أخيرا، وتفاديا لأي تأثيرات سلبية للتجارب الماضية على الحاضر والمستقبل، لا بأس بالتعبير عن خوفنا وقلقنا، من شرح وجعنا والتكلم عنه؛ لنجعل من الفشل محفز لنا للمحاولة من جديد، وتحقيق النجاحات حتى لو لم تكن متتالية، نعم بإمكاننا تخطي أخطاء الماضي والبدء من جديد.