“استمعت إلى قصص رهيبة عن الاضطهاد والمعاناة. انهار أحد الآباء عندما أخبرني كيف قتل ابنه بالرصاص أمامه. ثم قتلت والدته بوحشية وحرق منزله تماما. ولجأ إلى المسجد قبل أن يكتشفه الجنود الذين أساءوا إليه وأحرقوا نسخة من المصحف”.
هكذا تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام مجلس الأمن الدولي عن محنة الروهينجا الذين فر مئات الآلاف منهم إلى بنغلاديش بسبب العنف والاضطهاد في ميانمار.
وفي جلسة مجلس الأمن الدولي حول الوضع في ميانمار تحدث غوتيريش عن زيارته لكوكس بازار في بنغلاديش الشهر الماضي ولقائه باللاجئين الروهينجا، ونقل رسالة إحدى اللاجئات والتي قالت “نحن بحاجة إلى الأمن والجنسية في ميانمار. ونريد العدالة لما لحق بأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا”.
ما دام مناخ الخوف والاضطهاد هو السائد في راخين، فإن العودة الطوعية لن تحدث.
ودعا الأمين العام أعضاء مجلس الأمن إلى الانضمام إليه في حث سلطات ميانمار على التعاون مع الأمم المتحدة، وضمان وصول وكالاتها وشركائها بشكل فوري وبدون عوائق إلى المحتاجين. وأضاف، مشيرا إلى مقاضاة صحفيين في ميانمار لأسباب تتعلق بعملهم:
“يجب علينا أيضا الاستمرار في الضغط من أجل إطلاق سراح الصحفيين الذين اعتقلوا بسبب التغطية الإعلامية لهذه المأساة الإنسانية”.
وتطرق الأمين العام إلى أوضاع الروهينجا، وهم أقلية معظم أفرادها من المسلمين، ممن بقوا في ولاية راخين في ميانمار. وقال إنهم “ما زالوا يواجهون التهميش والتمييز، وقد قطعت عن الكثيرين منهم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة”. وأشار إلى أن حوالي 130 ألف روهينجي يوجدون في مخيمات تفرض قيودا شديدة على حركتهم. ويصاحب ذلك وصول محدود للغاية إلى الصحة والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى، وسبل كسب العيش.
قصة ليلى
وشاركت في جلسة مجلس الأمن النجمة السينمائية كيت بلانشيت، سفيرة النوايا الحسنة لمفوضية شؤون اللاجئين، التي استرجعت ما شهدته من أوضاع الروهينجا الذين فروا من العنف في ميانمار إلى بنغلاديش. وتحدثت عن زيارتها لمخيمات كوكس بازار في بنغلاديش ولقائها فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، أطلقت عليها اسم ليلى كيلا تكشف عن هويتها الحقيقية.
رأيت أطفالي في أعين كل طفل لاجئ، ورأيت نفسي في أعين كل أب وأم. وتساءلت كيف تتحمل أي أم رؤية طفلها يلقى في النار.
“كانت ليلى واحدة من 720 ألف لاجئ روهينجي بدون جنسية فروا من العنف في ولاية راخين في ميانمار. فرت ليلى من قريتها المحترقة مع ابنها الرضيع يوسف. وفيما كانت تحتضن يوسف بين ذراعيها، وصفت لي كيف أخذ أناس زوجها قسرا من قريتها وأنها لم تسمع أي شيء عنه منذ ذلك الحين، وكيف عاد نفس هؤلاء الناس بعد خمسة أيام ليضرموا النيران في منزلها ويجبروها على الفرار وحيدة مع طفلها. رأت عمها يقتل بيد أناس مسلحين بالسكاكين. اختبأت هي وطفلها في غابة لشهور، أبقاهما على قيد الحياة النباتات والأشجار. قصتها المروعة انتهت في بنغلاديش حيث تستمر معاناتها. استضافتهما أسرة لاجئة وشاطرت معهما المأوى الصغير المكتظ. عندما جلست مع ليلى، كان هناك طفل يلعب خلفي، لاحظت ندوبا رهيبة على ساقه. قالت لي أسرته إنها بسبب النيران التي أضرمت في منزلهم. لحسن الحظ، أنقذ الطفل من النيران ولكن الندوب ستستمر جسديا ونفسيا”.
وقالت بلانشيت إنها رأت أطفالها في أعين كل طفل لاجئ التقته خلال زيارتها لكوكس بازار في بنغلاديش ورأت نفسها في أعين كل أم وأب، وتساءلت كيف تتحمل أي أم رؤية طفها يلقى في النار؟ وقالت إن تجارب اللاجئين الروهينجا ستظل معها إلى الأبد.
وشكرت بلانشيت الأمين العام للأمم المتحدة لإعطاء صوت للروهينجا على مدى أكثر من عقد من الزمن، منذ أن كان مفوضا ساميا لشؤون اللاجئين.
وفيما يعمل مجلس الأمن والأمم المتحدة مع حكومة ميانمار لحل الوضع، شددت بلانشيت على ضرورة بذل الجهود العاجلة لمساعدة الروهينجا في بنغلاديش.
التصدي للتمييز والتحريض على الكراهية
وأشار الأمين العام إلى أن إعادة التوطين إلى جانب حرية التنقل، ووضع حد للفصل والتمييز، مع التنمية الشاملة وإعادة إرساء سيادة القانون والسلامة العامة تمثل أمورا ضرورية. وقال إن قادة ميانمار في نهاية المطاف يتحملون مسؤولية إبداء مزيد من العزم في التمسك بمبادئ المساواة وعدم التمييز ومكافحة التحريض على الكراهية العنصرية والعنف. وأضاف غوتيريش في كلمته أمام مجلس الأمن:
“لا يمكن أن يكون هناك أي عذر لتأخير عملية البحث عن حلول كريمة تسمح للناس بالعودة إلى مناطقهم الأصلية بأمان وكرامة، بما يتماشى مع المعايير الدولية وحقوق الإنسان. لا تزال الأمم المتحدة مستعدة للمساعدة في وضع مثل هذه الخطة”.
وبرغم إشادته بالكرم الهائل الذي أبدته السلطات في بنغلاديش والمجتمعات المضيفة للنازحين، إلا أن غوتيريش قال إن الاستجابة لأزمة اللاجئين الروهينجا يجب أن تكون عالمية، حيث لا يزال النداء الإنساني لتلك الأزمة يعاني نقصا كبيرا في التمويل بنسبة 33%. وشدد أيضا على ضرورة بذل مزيد من الجهود لتخفيف المخاطر الحقيقية على حياة اللاجئين بسبب الرياح الموسمية الحالية والوشيكة.
وقال الأمين العام إن التعاون الدولي الفعال سيكون حاسما لضمان أن تكون آليات المساءلة ذات مصداقية وشفافة ونزيهة ومستقلة مصحوبة بضمان امتثال ميانمار لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
وأوضح الأمين العام أنه ما يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به لتوفير الظروف اللازمة للسلام والعدالة في راخين، “فما دام مناخ الخوف والاضطهاد هو السائد في راخين، فإن العودة الطوعية لن تحدث.” مشيرا إلى أن جميع المجتمعات في راخين فقيرة وتحتاج إلى تنمية مستدامة وشاملة. وشدد على ضرورة ذلك أيضا للمصالحة والسلام”.
وقال”إن أنماط الانتهاكات التي ترتكب ضد الأقليات العرقية والدينية خارج “راخين” يجب أن تنتهي أيضا، لكي تترسخ الديمقراطية الحقيقية”.
واختتم الأمين العام للأمم المتحدة خطابه أمام مجلس الأمن بالقول:
“لقد مر عام. هذه الأزمة لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى. لقد أظهر هذا المجلس الوحدة في تبني بيانه الرئاسي. وتظل تلك الوحدة ضرورية إذا أردنا الاستجابة الواضحة لتلك النداءات بالفعل”.