طفلان يولدان في بقعتين مختلفتين من العالم. طفل يولد في النرويج، البلد الذي يسجل أعلى قيمة في مؤشر التنمية البشرية، يتوقع له أن يعيش أكثر من 82 عاما وأن يتم 18 عاما تقريبا من الدراسة. وعلى النقيض من ذلك، طفل يولد في النيجر، البلد الذي يسجل أدنى قيمة في مؤشر التنمية، فيتوقع ألا يتجاوز عمره 60 عاما وألا يمضي أكثر من خمسة أعوام في المدرسة.
مثل هذه الفوارق الشاسعة تتكرر عبر 189 بلدا، شملها مؤشر التنمية البشرية لعام 2018 الذي صدر اليوم الجمعة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ففي المتوسط، يصل التفاوت في العمر المتوقع عند الميلاد بين مجموعة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا وتلك ذات التنمية البشرية المنخفضة إلى 19 سنة، وسبع سنوات في فترة الدراسة.
وعن ذلك يقول مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر:
“مؤشر التنمية البشرية يقول ببساطة إن الناس أصبحوا أكثر تعليما ويعيشون لفترة أطول ويتمتعون بمستويات معيشة أفضل. فهو يزودنا برؤية لكل بلد تقريبا في جميع أنحاء العالم. ولكن وراء ذلك، هناك أيضا رسالة مفادها أن عدم المساواة مستمر، وأن الفجوات أصبحت أكثر اتساعا. إنه يعطينا فكرة عن مدى عدم الإنصاف وانعدام تكافؤ الفرص بالنسبة لطفل يولد اليوم اعتمادا على مكان ولادته. وهذا هو لب المؤشر، التعرف على الاختلافات، وإعطاؤنا فكرة عن النقاط التي نحتاج إلى التركيز عليها من حيث السياسات وكيفية تغيير ذلك.”
وتتصدر النرويج وسويسرا وأستراليا وأيرلندا وألمانيا الترتيب في المؤشر، بينما تسجل النيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وتشاد وبوروندي أدنى القيم بحسب الدليل، الذي يقيس إنجازات البلدان في مجالات الصحة والتعليم والدخل.
وقد شهدت ثلاثة بلدان تعاني كلها من نزاعات أكبر تراجع في الترتيب، حيث سجلت سوريا أكبر الخسائر، لتتراجع 27 مرتبة، تليها ليبيا 26 مرتبة واليمن 20 مرتبة.
ولكن آخر تحديث لمؤشر التنمية زف بعض الأخبار السارة، ليشير إلى تحسن مضطرد على صعيد التنمية البشرية في العالم اليوم، مع ارتقاء العديد من البلدان إلى مراتب أعلى في فئات ترتيب التنمية البشرية. فمن أصل 189 بلدا، يصنف اليوم 59 بلدا ضمن المجموعة ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا، و38 بلدا فقط ضمن المجموعة ذات التنمية البشرية المنخفضة. وكانت تلك الأعداد 46 و49 بلدا على التوالي، منذ ثمانية أعوام فقط، أي في عام 2010 .
وبحسب البيانات الأخيرة، بات البشر في المتوسط أطول عمرا وأفضل تعليما وأعلى دخلا. غير أن فوارق شاسعة لا تزال تشوب مستويات الرفاه بين البشر في مختلف أنحاء العالم.
اتجاهات التنمية في الدول العربية
وقد شهدت الدول العربية ارتفاعا بنسبة 25.5% منذ عام 1990 على مؤشر التنمية البشرية، ولكن عند تعديل ذلك ليشمل عامل عدم المساواة، تخسر الدول العربية 25% من قيمة المؤشر الإجمالية. إذ تسجل المنطقة ثاني أكبر فجوة بين الجنسين بين سائر المناطق النامية، وتبلغ الفجوة بين الرجال والنساء في مؤشر التنمية البشرية 14.5%. كما أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة هو الأدنى بين المناطق النامية، بنسبة 21%.
انحسار الفجوة بين الجنسين في مطلع العمر مع استمرار أشكال عدم المساواة بين البالغين
وتتمثل الفجوات في الفرص والإنجازات والتمكين بين النساء والرجال أحد أهم مصادر عدم المساواة داخل البلدان. فعلى مستوى العالم تقل قيمة مؤشر التنمية للنساء عن نظيرتها للرجال بنسبة 6%، وذلك بسبب انخفاض الدخل والتحصيل العلمي لدى النساء مقارنة بالرجال في العديد من البلدان. وعلى الرغم من تحقيق تقدم جيد في عدد الفتيات الملتحقات بالمدرسة، تظل الفوارق بين الرجال والنساء كبيرة، كما لا يزال تمكين المرأة يمثل تحديا ملموسا.
ووفق المؤشر تبقى المعدلات العالمية لمشاركة المرأة في القوى العاملة أدنى من معدلات مشاركة الرجل، 49% مقابل 75%. وحين تلتحق النساء بسوق العمل، تكون معدلات البطالة بينهن أعلى بنسبة 24% من معدلات البطالة بين الرجال. وعلى الصعيد العالمي، تتحمل المرأة حصة أكبر من حصة الرجل في العمل غير مدفوع الأجر سواء في العمل المنزلي أو في تقديم الرعاية.
ولا تزال نسبة المقاعد التي تشغلها المرأة في البرلمانات منخفضة عموما، وإن تفاوتت بين 18% في الدول العربية وجنوب آسيا، و29% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وتطال تأثيرات العنف ضد المرأة جميع المجتمعات؛ وفي بعض المناطق يقوض زواج الأطفال وارتفاع معدلات الولادات لدى المراهقات خيارات وفرص الشابات والفتيات. وفي جنوب آسيا، أكثر من 29% المائة من النساء من الفئة العمرية ما بين 20 و24 سنة تزوجن قبل بلوغهن الثامنة عشرة من العمر.