“لقد كان زعيماً عالمياً استثنائياً- وكان أيضا إنساناً يمكن لأيّ شخص في العالم أن يرى نفسه فيه، من العالقين في الفقر والنزاع واليأس والذين وجدوا فيه نصيرا، إلى موظفي الأمم المتحدة السائرين على خطاه”.
كان ذلك جزءا من خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أثناء جنازة كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، في العاصمة الغانية أكرا. وتوفي عنان في الثامن عشر من آب/أغسطس عن عمر ناهز الثمانين عاما.
وقال الأمين العام إنّ ما جعل عنان مميزا هو إنه “كان فريدا وواحد منا في آن واحد، على غرار قلة في عصرنا، يستطيع كوفي عنان أن يجمع الناس معا ويوحدهم نحو هدف مشترك لإنسانيتنا المشتركة”.
فتماما وفق القول المأثور إن “فن الدبلوماسية ألا تقول شيئا … خاصة عندما تتحدث” يقول غوتيريس “إن باستطاعة عنان قول كل شيء، في بعض الأحيان حتى دون أن ينطق بكلمة واحدة.” وينبع ذلك “من الكرامة والقناعة الأخلاقية والإنسانية التي كانت متجذرة فيه.” وأضاف أنه وبرغم رقة صوته ولطفه إلا أن كلماته كانت قاسية وحكيمة.
كان شجاعا ونزيها وخلّاقا
وأشار غوتيريس إلى أن “كوفي عنان كان شجاعا، وكان يتحدث بالحقيقة إلى السلطة في الوقت الذي كان يخضع فيه نفسه إلى التدقيق الذاتي المكثف”.
وأضاف أن عنان ومثل سلفه داغ همرشولد، كان لديه شعور شبه روحاني بالدور الذي تلعبه الأمم المتحدة كقوة للخير في عالم من العلل.
وقال الأمين العام إن كوفي عنان ابتكر أفكارا ومبادرات جديدة، بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية وعدد من الإصلاحات البارزة.
وأشار إلى أنه فتح أبواب الأمم المتحدة، وجعل المنظمة أقرب إلى شعوب العالم فضلا عن إشراك شركاء جدد في حماية البيئة، والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز وغيره من الأمراض الفتاكة. لقد كان “كوفي عنان هو الأمم المتحدة والأمم المتحدة كانت عنان”.
كان صديقا عزيزا
وتطرق الأمين العام إلى العلاقة الحميمة التي جمعته بكوفي عنان، مشيرا إلى أنه كان صديقا عزيزا، وأنهما عملا معا في قضايا عديدة في مناطق عدة في العالم:
“عملنا معا عندما كان شعب تيمور – الشرقية يسعى إلى تقرير مصيره، وهو نيابة عن الأمم المتحدة، وأنا نيابة عن البرتغال، عملنا لدعم الحل السلمي لمحنتهم. عندما احتاجت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى قيادة جديدة، باركني كوفي بثقته طالبا مني القيام بهذا الدور، ثم قدم دعما لا يتزعزع لحماية وتأمين أكثر الناس ضعفا. والآن وأنا أشغل منصبه الذي كان يشغله في السابق، فإنني ملهم باستمرار بنزاهته وديناميته وتفانيه. فبالنسبة له، كانت اللامبالاة أسوأ سم في العالم”.
من سوريا إلى ميانمار إلى كينيا، قتال في الجبهات الأمامية للدبلوماسية
وقال الأمين العام إن كوفي عنان وحتى بعد انتهاء ولايته على رأس الأمم المتحدة، لم يتوقف أبدا عن القتال على الخطوط الأمامية للدبلوماسية، حيث ساعد في تخفيف حدة التوترات التي أعقبت الانتخابات في كينيا، وأعطى كل ما لديه لإيجاد حل سياسي للحرب الوحشية في سوريا ووضع طريقا لضمان العدالة والحقوق لشعب الروهينغا في ميانمار.
وأشار إلى أن عنان وبرغم إمساكه بالعالم، بجوانبه الأربعة، شمالا وجنوبا شرقا وغربا، إلا أنه وجد مرساه في جذوره وهويته الأفريقية.
وقال غوتيريش إن نيلسون مانديلا العظيم أو كما يسمى ماديبا، كان يطلق على عنان لقبا خاصا وهو “زعيمي،” مشيرا إلى أن ذلك لم يكن من باب الدعابة، فكوفي “كان قائدنا أيضا”.
واستذكر الأمين العام آخر مرة رأى فيها عنان منذ فترة غير بعيدة في الأمم المتحدة، حيث قال “كان هادئا ومصمما، مستعدا للضحك، لكنه دائماً مثقلا بجسامة العمل الذي نقوم به. لقد ذهب الآن وسنفتقده كثيرا”.
وأضاف الأمين العام دعونا نستمر في الإصغاء إلى ذلكم الصوت “صوت الرقي والعقل والأخلاق والتضامن، فعالمنا يحتاج ذلك الآن أكثر من أي وقت مضى”.
وفي ختام حديثه قال الأمين العام:
“بينما نواجه الرياح المعاكسة لأوقاتنا العنيفة والمضطربة، دعونا دائما نستلهم إرث كوفي عنان ونسترشد بحقيقة أنه سيستمر في التحدث إلينا، وحثنا على تحقيق الأهداف التي كرس حياته لها وأثرت حقا عالمنا”.