المجلس العالمي للتسامح والسلام

يبدأ السلام في العائلة!

بقلم سيسيليا ضومط

سيسيليا ضومط

نربّي أبناءنا ونقوم بكل ما بوسعنا لإرضائهم وإبقائهم إلى جانبنا، إلا أنهم يرحلون؛ منهم من يرحل لتأسيس عائلة، يتزوج وينجب، ما يشعر الأهل بالفخر والعز، ومن الأبناء من يغادر، يهاجر سعيا وراء التحصيل العلمي أو لقمة العيش وتأمين المستقبل الناجح. إلا أن من يغادر بيت والديه هربا وسعيا وراء محبة من هنا وتقبل له من هناك، هو بيت القصيد. فسامر مراهق في السادسة عشرة من عمره، نادرا ما يدخل بيت ذويه، هو يعيش مع مجموعة من رفاقه في شقة استأجروها معا، أما والدته ففي صوتها غصة، وفي عيونها دمعة وهي تتوسل المساعدة قائلة:”لم أبخل عليه يوما، هو ينال كل ما يريد من المال وأكثر، منذ صغره وأنا أغرقه بالألعاب والهدايا، بدل الحذاء نشتري له عشرة، ولا نحصي كمية الثياب الموجودة في خزانة ملابسه، وهو يقول بأننا لا نحبه، أنا وأبوه، ولا يريد أن يعيش معنا”.

أسباب ترك البيت الوالدي باكرا…

تعدّدت الأسباب والمعاناة واحدة، شباب يلهث خلف الحب والود والسلام الداخلي، خارج المنزل، وهذا ما يجعله عرضة لتجارب صعبة وقاسية قد تصل به إلى الدمار. أما دوافع البحث في الخارج فهي افتقار الداخل لذلك، فما يغيب عن بال الأم والأب هو أن حاجة أولادهما للحب والود تساوي حاجتهم للأكل والشرب والمسكن؛ فكل إنسان في حالة بحث دائم عن الحب، أن يحب ويحبه الآخر، للتعبير عن هذا الحب، كما أننا جميعا بحاجة لتقبل الآخر لنا، تقديم الدعم من قبل الأهل، ويقع الدعم المعنوي بالدرجة الأولى. يحتاج الأبناء للوجود النوعي للأهل، إذ وجود العاملات الأجنبيات في المنازل لا يسكر فجوة غيابهما الشبه دائم، كما أن تواجد الأهل الغير فاعل عبر انشغالهما بالزوار والأصحاب، وإعطاء تركيزهما الكامل لوسائل التواصل الإجتماعي هو في عداد الحضور الفارغ، الذي يشعر أفراد العائلة بأنهم متروكين وبأنهم لا يستحقون المحبة والإهتمام من قبلهم.

كما أن الأولاد يغادرون بسبب التصادم والعنف المتبادل بين الأب والأم، يهربون من شعورهم بالعجز وعدم القدرة على الحل، كما يشكلون في أغلب الأحيان طرفا يعتدى عليه ويعنف معنويا- كلاميا- جسديا. وليس أقل أهمية سبب المغادرة المادي، أي العجز عن تأمين الحاجات الأساسية من طعام ودواء ومسكن، فقد يضيق قلب من ضاقت بهم غرفة واحدة يعيشون فيها ربما مع عشرة من الإخوة، وقد يزيدون عن ذلك أحيانا.

يهرب الأبناء أيضا من تسلط الأهل، محاولين استرجاع قرارهم الشخصي، بسبب حاجتهم لتحقيق ذواتهم، أو تجنبا للترف والتدليل الذي يدفع إلى الشعور بالفراغ العاطفي وفقدان عنصر السعادة واللهفة، فيطلبون المزيد من التجارب والإختبارات في الخارج.

إلى أين يهرب الأبناء؟ ما هي نتائج الهروب؟ أين تقع مسؤولية الأهل؟ ماذا يحتاج الأبناء في البيت الوالدي؟

يترك الأبناء بيت العائلة بحثا عن بديل، حيث يجدون الحب والدعم وتقبل الآخر لهم. هم ينشدون الدعم المعنوي والنفسي، الشعور بالهدوء والسلام الداخلي. يبدأون عملية بحث عن الإستقرار والأمان الذي حرموا منه في مكانه الطبيعي فيدفعون في أغلب الأحيان ثمنا باهظا. والأهم في الموضوع أن الأهل لا يدركون الحالة النفسية الحقيقية للأبناء ومدى معاناتهم وحاجاتهم الملحة للشعور بالحب والدفء والأمان، كذلك شعور البعض لتحقيق الذات والإستقلالية والهروب من التسلط وسلب القرار.

قد يلجأ الأبناء إلى بيت أحد الأصدقاء عن قلة نضوج ظنا بأنهم سيسكنون عندهم، أو إلى بيت أحد الأقارب، كما قد يتشاركون أحد المنازل أو الغرف، وفي جميع الحالات يفتقدون إلى رقابة الأهل وتوجيههم، فيتعرضوا أحيانا للإستغلال الجسدي في العمل، كما قد يكونوا محط استغلال جنسي. قد ينجرفوا في طريق المخدرات والكحول وأنواع إدمان عديدة على المادة أو السلوك، وقد تدفع بهم الحاجة إلى السرقة. أما الأخطر فهو دخول المراهقين في خلايا إرهابية، تدفعهم شيئا فشيئا إلى السرقة، الفساد على أنواعه، حتى جرائم القتل أحيانا.

المسؤولية في كل ذلك تقع على عاتق الأهل، فالمراهق بحاجة للفهم والإستيعاب والصبر، بالإضافة للوقت النوعي الذي نقضيه معه. قد ترهب أبنائنا أمور بسيطة علائقية أو جنسية مثلا، والمطلوب منا كأهل تقديم الدعم المعنوي لهم وتأمين البيئة المريحة والمناسبة. كما لا بد للأهل أن يعوا ويثقفوا أنفسهم حول الصعوبات التي ربما يواجهونها مع الأبناء، وعدم اعتماد التجريح والعنف معهم كما عليهم أن يشعرونهم بأنهم هنا دائما من أجلهم.

ينطلق السلام في المجتمع من بيوتنا وعائلاتنا، من تلك النواة المؤلفة من أب وأم وأبناء، من نوع العلاقة التي تسود فيما بينهم. يرتبط سلام المجتمعات بسلام نفوس أبنائها، فيكونون إما رسالة أمان وإيجابية، إما مشاريع عنف وإرهاب وإجرام.

قد يعجبك ايضا